وجاء في النوع الثاني أحاديث وآثار تدل على استحباب الإسرار وخفض الصوت بالقراءة.
والجمع بين هذين النوعين أن القارئ إذا خاف الرياء، أو السمعة، أو يتأذَّى مصلون، أو نيام بجهره، أو خاف إعجاباً، أو يلبَّس على من يقرأ أو غير ذلك من أنواع القبائح فالإسرار بالقراءة والإخفاء بها أفضل.
أما من لم يخفْ شيئاً من ذلك فالجهر بالقراءة له أفضل، ويستحب له ذلك؛ لأن العمل في الجهر أكثر؛ ولأن فائدته تتعدَّى للسامعين؛ ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إلى التدبر، ويطرد النوم ويزيد في النشاط، ويطرد الشيطان، فإن كانت القراءة بحضور من يستمع إليه، تأكد استحباب الجهر (١).
قلت: ويدل على هذا الجمع حديث عبد الله بن أبي قيس رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها أنه سألها في حديث طويل، وفيه أنه سألها عن قراءة النبي - ﷺ -، فقال:... فقلت: كيف كانت قراءته: أكان يسر بالقراءة أم يجهر؟ قالت: ((كل ذلك قد كان يفعل: قد كان ربما أسر، وربما جهر))، قال: فقلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعةً... )) (٢).
_________
(١) انظر: التبيان في آداب حملة القرآن، للنووي، ص٢ - ٨٧، وآداب تلاوة القرآن وتأليفه للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى ٩١١هـ، المطبوع مع أخلاق حملة القرآن لمحمد بن الحسين الآجري، المتوفى، ٣٦٠هـ، ص١١٠.
(٢) الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في قراءة الليل، برقم ٤٤٩، وفي كتاب ثواب القرآن، باب ما جاء كيف كانت قراءة النبي - ﷺ -، برقم ٢٩٢٤، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب في وتر النبي - ﷺ -، برقم ١٤٣٧، والنسائي، صلاة الليل، باب كيف القراءة بالليل، برقم ١٦٦٢، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٣٩٥، وفي صحيح سنن الترمذي، ٣/ ١٦٨، وفي غيرهما. وانظر: أحاديث في الباب: صحيح سنن أبي داود، برقم ١٣٢٧ - ١٣٣٣.