...........................
= فليس لها محلّ في كتابنا هذا. ولولا في القرآن إشارة إلى هذا الأمر لطويناه على غَرِّه، ولكنّي آنستُ ناراً لعلّي آتيكم منها بقبس، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
فاعلم أنّ العرب إذا وضعوا لشيء اسماً جديداً عمدوا إلى ما يناسب المسمَّى أو يدلّ على خاصّة مميّزة، كما ترى في ما لقّبوا به بعض الرجال كالملك الضلّيل، والمرقِّش، وتأبط شرّاً. فإنّ الاسم من الوسم، فما يكون علامةً يصلح للاسميّة. وهكذا سُمّي بعضُ السور مثل الروم، والنمل، والبقرة، والعنكبوت. وإذ قد ثبت أن هذه الحروف المقطعات أسماء للسور فلا بدّ أن تكون الحروفُ ذواتِ المعاني والمركباتُ من مثل الأسماء المركبة كمعدي كرب.
وقد علمنا أن أسماء الحروف في لسان العرب لم تكن في الأصل أسماء للأصوات المجردة، كما هي في الهندية والإنكليزية، بل كانت أسماء للأشياء وتماثيل لها. ولذلك بقي كثير منها ملفوظة بأسماء تلك الأشياء، ومكتوبة بهيئات فيها بقايا تماثيل تلك الأشياء، كما أن حروف أهل الصين بقايا تماثيل كانت حروفهم في الأوائل على هيئاتها. وقد علمنا طرفاً من معاني أسماء حروفنا، مثلاً (ألف) فإنها اسم البقرة، وكانت على صورة رأس البقرة، والباء فإنها تسمى بالعبرانية "بيت" أي البيت، والجيم فاسمها بالعبرانية "جيمل" أي الجمل، وهكذا في الأخر. وهذا أمر ثابت معلوم لا يخفى على من له معرفة بتاريخ الكتابة العربية، فإنا نعلم أن حروفنا هذّبت من العبرانية (١) التي أخذت من حروف العرب القديمة التي أخذ عنهم القبط الكتابة بالتماثيل التي توجد الآن على الأهرام المصرية، ولكنهم غيّروها وابتدعوا فيها حسب أفكارهم.
ذلك، ثم قد دلّنا القرآن على هذا السرّ بما قد سمّى سورةً بحرف بقيت (٢) في لسان العرب دالّةً على معناها. وهي حرف "ن" فإنها الحوت، والسورة المسمّاة بها جاء فيها ذكر يونس عليه السلام، ولم يذكر فيها غيره من الأنبياء، وذكره الله تعالى فيها باسم (صاحب الحوت)، ففي ذلك إشارة للمتوسّم إلى وجه التسمية. فإن كانت هذه السورة قد سمّيت بحرف (ن) لأجل معنى هذه الحرف، فعسى أن تكون السور الباقية المسماة بالحروف أيضاً قد سميت حسب معانيها الأولية. =
.....................................
(١) انظر سخندان فارس: ٤٧. والذي ثبت عند المحققين أن الخط العربي مشتقّ من الخط النبطي، والأنباط أخذوا كتابتهم من الآراميين. والخط المستعمل عند اليهود المعروف بالخط المربّع مأخوذ أيضاً من الآراميين. انظر بعلبكي: ١٢٢، وبروكلمان: ٣٧.
(٢) لعل المؤلف رحمه الله أنث كلمة الحرف هنا وفيما يأتي، لأنه إنما قصد إلى اسم الحرف كالألف والنون والطاء، وهذه الأسماء مؤنثة في العربية.
فاعلم أنّ العرب إذا وضعوا لشيء اسماً جديداً عمدوا إلى ما يناسب المسمَّى أو يدلّ على خاصّة مميّزة، كما ترى في ما لقّبوا به بعض الرجال كالملك الضلّيل، والمرقِّش، وتأبط شرّاً. فإنّ الاسم من الوسم، فما يكون علامةً يصلح للاسميّة. وهكذا سُمّي بعضُ السور مثل الروم، والنمل، والبقرة، والعنكبوت. وإذ قد ثبت أن هذه الحروف المقطعات أسماء للسور فلا بدّ أن تكون الحروفُ ذواتِ المعاني والمركباتُ من مثل الأسماء المركبة كمعدي كرب.
وقد علمنا أن أسماء الحروف في لسان العرب لم تكن في الأصل أسماء للأصوات المجردة، كما هي في الهندية والإنكليزية، بل كانت أسماء للأشياء وتماثيل لها. ولذلك بقي كثير منها ملفوظة بأسماء تلك الأشياء، ومكتوبة بهيئات فيها بقايا تماثيل تلك الأشياء، كما أن حروف أهل الصين بقايا تماثيل كانت حروفهم في الأوائل على هيئاتها. وقد علمنا طرفاً من معاني أسماء حروفنا، مثلاً (ألف) فإنها اسم البقرة، وكانت على صورة رأس البقرة، والباء فإنها تسمى بالعبرانية "بيت" أي البيت، والجيم فاسمها بالعبرانية "جيمل" أي الجمل، وهكذا في الأخر. وهذا أمر ثابت معلوم لا يخفى على من له معرفة بتاريخ الكتابة العربية، فإنا نعلم أن حروفنا هذّبت من العبرانية (١) التي أخذت من حروف العرب القديمة التي أخذ عنهم القبط الكتابة بالتماثيل التي توجد الآن على الأهرام المصرية، ولكنهم غيّروها وابتدعوا فيها حسب أفكارهم.
ذلك، ثم قد دلّنا القرآن على هذا السرّ بما قد سمّى سورةً بحرف بقيت (٢) في لسان العرب دالّةً على معناها. وهي حرف "ن" فإنها الحوت، والسورة المسمّاة بها جاء فيها ذكر يونس عليه السلام، ولم يذكر فيها غيره من الأنبياء، وذكره الله تعالى فيها باسم (صاحب الحوت)، ففي ذلك إشارة للمتوسّم إلى وجه التسمية. فإن كانت هذه السورة قد سمّيت بحرف (ن) لأجل معنى هذه الحرف، فعسى أن تكون السور الباقية المسماة بالحروف أيضاً قد سميت حسب معانيها الأولية. =
.....................................
(١) انظر سخندان فارس: ٤٧. والذي ثبت عند المحققين أن الخط العربي مشتقّ من الخط النبطي، والأنباط أخذوا كتابتهم من الآراميين. والخط المستعمل عند اليهود المعروف بالخط المربّع مأخوذ أيضاً من الآراميين. انظر بعلبكي: ١٢٢، وبروكلمان: ٣٧.
(٢) لعل المؤلف رحمه الله أنث كلمة الحرف هنا وفيما يأتي، لأنه إنما قصد إلى اسم الحرف كالألف والنون والطاء، وهذه الأسماء مؤنثة في العربية.