معنى النعم لا يستقيم في هذه الآية، ففسّرها بالقدرة.
وقد تساءل العلامة فخر الدين الرازي مرة بعد أخرى في تفسير الآية حينما جاءت بعد ذكر عجائب خلق الله وقدرته ثم أجاب من وجوه منها: "أن الآية مذكورة لبيان القدرة لا لبيان النعمة". وقال في موضع آخر: "وفي الجواب قولان... الثاني أن نقول: هذه بيان عجائب الله تعالى لا بيان النعم".
أما كلام العرب فاستدل المؤلف بثمانية شواهد منها قول طرفة بن العبد يمدح الحارث بن همام بن مرة رئيس بني بكر:
كاملٍ يحمل آلاء الفتى... نبَهٍ سيد سادات خِضَم
ومنها قول الأجدع الهمداني يصف فرسه.
ورضيتُ آلاءَ الكميت فمن يُبع.. فرساً فليس جوادنا بمباع
وقد انتقد المؤلف الجوهري بأنه فسر كلمة الآلاء في بيت الهمداني بمعنى الخصال الجميلة في مادة (بيع)، ولكنه لم يثبت على هذا المعنى الذي هو أصله، وفسر الآلاء في مادة (ألا) بمعنى النعم. قلت: وقد فسر بذلك قبل الجوهري الأخفش الأصغر (ت ٣١٥ هـ) في الاختيارين فقال: "آلاؤه: خصاله الصالحة التي فيه". وهكذا فسر شارح ديوان الخنساء قولها:
فبكّي أخاكِ لآلائه... إذا المجد ضيّعه السائسونا
فقال: "لآلائه أي لغنائه وبلائه ومجده".
ومن شواهد المؤلف قول فضالة بن زيد العدواني وهو من المعمرين:
وفي الفقر ذلّ للرقاب وقلما... رأيتُ فقيراً غيرِ نكسٍ مذممِ
يلام وإن كان الصواب بكفه... ويُحمد آلاءُ البخيلِ المدرهَمِ
يقول المؤلف: "أي يحمدون صفات البخيل وفعاله. وهذا البيت أوضح دلالة مما ذكرنا قبله على معنى الآلاء".