أما مريم عليها السلام فالتعجب في جانب آخر إذ إنها عذراء ولم يمسسها بشر ولم تك بغيّا، فالغرابة والمعجزة أن تلد وهي عذراء فكانت الكلمة المعبرة التي تؤدي المعنى بدقة وتوضح وجه الاستغراب لها هي كلمة (ولد) (١). فسبحان الذي أحاط علمه بسر اللغة ومكنوناتها أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.
هـ- ومن هذا القبيل استعمال كلمة (قرية) تارة واستعمال كلمة (المدينة) في موضع آخر في سورة الكهف.
فعند ما كان الحديث عن بخل ولؤم السكان جاء التعبير بكلمة (أهل قرية) لأن مادة (قرى) تدل على الجمع ومن مستلزماته الإمساك والبخل، بينما عند ما جاء الحديث عن الغلامين والخوف من ضياع كنزهما جاء التعبير ب (المدينة) لأن زحمة المدينة وكثرة الوجوه الغريبة فيها أليق بإضاعة المساكين والضعفاء، كما أن التحايل والغبن يكثر في المدن أكثر منها في القرى. وكل ذلك تجده في قوله تعالى: فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما... وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ... [الكهف: ٧٧، ٨٢].