فلما قام رسول الله ﷺ قام معه ابن عمته عبد الله بن أبي أمية، قال:
يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم... فو الله لا أؤمن بك أبدا حتى تتخذ سلّما إلى السماء ثم ترقى فيه، وأنا أنظر إليك حتى تأتيها، ثم تأتي معك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، وأيم الله لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم» (١).
إن المراء والعناد واضح في مطالبهم، ولو أن هذه الخوارق وقعت كما اقترحوا ما كانت بالتي تقنعهم، فإن الله يضل من يشاء فلا يؤمن ولو أجيب إلى ما يقترحه من الآيات، ويهدي إليه من أناب فيؤمن بغير اقتراح آيات.
إن مطالبهم كانت بقصد التعجيز ولو لبيّت لانتقلوا إلى غيرها، ومواقفهم العنادية كانت تحتاج إلى تبرير للاستمرار عليها يقول تعالى: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) [المؤمنون: ٧١]. إن كون القرآن بلسانهم وأسلوبهم فيه رفع لمقامهم وإعلاء لمكانتهم بين الناس ولكنهم يعرضون عن هذه المزية لعدم إدراكهم لقيمتها وحقيقتها.
الحكمة الثانية في هذا الصرف عن المعجزات المادية:
إظهار مكانة القرآن الكريم، وأن المعجزات المادية تتضاءل بجانب معجزته فهو المعجزة الباقية الخالدة إلى يوم القيامة. والرسالة الشاملة الباقية لا بدّ لها من معجزة توائم خلودها وشمولها، فكان في هذا الالتفات والصرف عن المعجزات المادية إلى المعجزة الفكرية رفع لشأن الأمة من جهة وإبراز لميزات القرآن العظيم وبيان مكانته الرفيعة من جهة أخرى. لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) [الحشر: ٢١]،