يشتغلوا بذلك، تحققا بظهور العجز وتبينا له. وأما قوله تعالى حكاية عنهم: لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا [الأنفال: ٣١]، فقد يمكن أن يكونوا كاذبين فيما أخبروا به عن أنفسهم، [وقد يمكن أن يكون قاله منهم أهل الضعف في هذه الصناعة دون المتقدمين فيها]، وقد يمكن أن يكون هذا الكلام إنما خرج منهم، وهو يدل على عجزهم. ولذلك أورده الله مورد تقريعهم، لأنه لو كانوا على ما وصفوا به أنفسهم لكانوا يتجاوزون الوعد إلى الإنجاز، والضمان إلى الوفاء؛ فلما لم يفعلوا ذلك- مع استمرار التحدّي وتطاول زمان الفسحة في إقامة الحجة عليهم بعجزهم عنه- علم عجزهم، إذ لو كانوا قادرين على ذلك لم يقتصروا على الدعوى فقط.
ومعلوم من حالهم وحميّتهم أن الواحد منهم يقول في الحشرات والهوام والحيّات وفي وصف الأزمّة والأنساع والأمور والتي لا يؤبه لها ولا يحتاج إليها، ويتنافسون في ذلك أشد التنافس، ويتبجحون به أشد التبجح. فكيف يجوز أن تمكنهم معارضته في هذه المعاني الفسيحة، والعبارات الفصيحة، مع تضمن المعارضة لتكذيبه، والذب عن أديانهم القديمة، وإخراجهم أنفسهم من تسفيهه رأيهم، وتضليله إياهم، والتخلص من منازعته، ثم من محاربته ومقارعته. ثم لا يفعلون شيئا من ذلك، وإنما يحيلون أنفسهم على التعاليل، ويعلّلونها بالأباطيل.
[هذا محال].
٩ - ومعنى تاسع: وهو: أن الحروف التي بنى عليها كلام العرب تسعة (١) وعشرون حرفا، وعدد السور التي افتتح فيها بذكر الحروف ثمان وعشرون سورة، وجملة ما ذكر من هذه الحروف في أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة، وهو أربعة عشر حرفا، ليدل بالمذكور على غيره، وليعرفوا أن هذا الكلام منتظم من الحروف التي ينظمون بها كلامهم.

(١) المشهور أن عدد الحروف في اللغة العربية ثمانية وعشرون حرفا وعدد السور المفتتحة بالحروف المقطعة تسع وعشرون سورة. (المؤلف).


الصفحة التالية
Icon