قال: (اختلفوا) هل المراد السجود حقيقة أو الإيماء إليه أو الخضوع؟ وسبب الخلاف أن الخضوع بكون بأمور، ففسره بأقصاها وهو السجود لاستلزامه الخضوع فعبّر عن الخضوع بلوازمه وهذا (يشبه) ما قالوه (في تعارض) الحقيقة المرجوحة والمجاز، لأن القاعدة الثابتة المقررة في أن السجود حقيقة إنما هو بوضع الجبهة في الأرض فإطلاقه (هنا) على الخضوع مجاز راجح استصحابا لتلك القاعدة، وكون المراد به حقيقة هو نسبة المشبه، لكن (إِنْ) نظرنا إلى (أنّ) هذه الأمور جعلية شرعية فنقول: إنّ الله تبارك وتعالى أمر بالسّجود لآدم (فنأخذ) الأمر على حقيقته والمعتزلة على (قاعدة) التحسين والتقبيح يقولون: إن السجود ليس حقيقة بل هو بمعنى الخضوع. ومنهم من جعله تكرمة وجعل آدم كالقبلة فكما أن الصلاة للقبلة تكرمة لها فكذلك هذا، واحتج بعضهم بهذا أن الأنبياء أفضل من الملائكة.
قال ابن عرفة: إنما يؤخذ منه تشريف آدم وتكرمته، لا أنه أفضل وإنما يلزم ذلك لو كان السجود له لذاته.
ونقل ابن عطية: أن الأكثرين على الملائكة أفضل من بني آدم وعكس الفخر الخطيب.
قوله تعالى: ﴿فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ... ﴾
حكى الآمدي في شرح الجزولية قولا: بأن الاستثناء من الإثبات ليس بنفي.
قال الرازي في المعالم: اتفق الناس على أن الاستثناء من الإثبات نفي واختلفوا في العكس. قلت: وحصل بعضهم فيه ثلاثة أقوال: قيل: الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات، نفي وقيل: ليس بإثبات وليس بنفي، وقيل: من الإثبات نفي ومن النفي ليس بإثبات.
قال القرافي في شرح المحصول: ذهب بعض الأدباء إلى أن الاستثناء من الإثبات اثبات واحتج بقوله تعالى ﴿فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ﴾ أي فلو كان نفيا لما احتيج إلى قوله «أَبَى».
وكان الشيخ ابن عبد السلام يرده بأنها أفادت أن امتناعه من السجود لم يكن لعجز (بعذر) ولا لأنه أكره عليه بل استكبارا وعنادا لعنه الله.
وقال الآمدي: قيل أنه إثبات في الوجهين، وقيل: نفي في/ الوجهين، وقيل: من الإثبات نفي، ومن النفي ليس بإثبات.
وقال الطيبي: إن الترتيب هنا معنوي وفي