وردوا عليه بأن ذلك إنما هو في الفعل المتعدي لواحد إذا ضعف يريد به التضعيف معنى التفريق، مثل: (غَلَّقَتِ الأَبوَابَ) لأن غلق يتعدى غير متضاعف، وأما الغير متعدي فإن التضعيف إنما هو للتعدية كالهمزة كأنه يكسبه معنى آخر.
قال ابن عطية: الباء إما للحال فالحق فيه ثابت أو للسبب، أي بسبب الحق، أي باستحقاق إن لم يزل ثم تحرك عن مذهب المعتزلة، فقال: وذلك تفضلا منه لَا على أنه واجب عليه أن يفعل.
قوله تعالى: (مُصَدِّقًا).
قال ابن عطية: حال مؤكدة؛ لأنه لَا يمكن أن يكون غير مصدقا لما بين يديه من الكتب. قيل لابن عرفة: عادتكم تردون عليه بأن المراد أنه حق في نفسه ثابت، والحق الثابت في نفسه يمكن أن يصدق غيره، ويمكن أن لَا يصدق ولا يكذب، فقال: كان يجيب بأن يقول: إن اعتبرنا الحق في نفسه فيجيء ما قلتم، وإن اعتبرناه من حيث رجوعه إلى الكتب وارتباطه به فلا بد أن يكون مصدقا لما بين يديه، ومعنى تصديقه لها تصديقه لأصوله لما فيها من الشرائع والأحكام؛ لأنه مصدق لاستحقاق تلك الأحكام وجريانها بل هو ناسخ لها، أو المراد بتصديقه لها دلالة على صحة كونها منزله من عند الله.
قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣)﴾ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ).
قيل لابن عرفة: ما الفائدة في قوله: (مِنْ قَبْلُ) ولو أسقط لم يختل المعنى؛ لأنه معلوم أن إنزالها قبل، وأنها هدى للناس من قبل؟ فأجاب: بأنكم جعلتم (مِنْ قَبْلُ) متعلق بأنزل أو بالتوراة، وإنما يجعله متعلقا بهدى، فتقول: تضمنت الآية أن هداية التوراة والإنجيل كان للناس من قبل وذلك غير معلوم، إنما كان المعلوم أن إنزالها قبل الثاني، اقتضت من أول أزمنة القبلية إشارة إلى أن هذا أمر معهود فيما سبق، وأنه ليس بأول ما نزل بل تقدمت كتب قبله واستدام حكمها إلى أزمنة القبلية، وقال هنا: (هُدًى لِلنَّاسِ)، وفي البقرة (هُدًى لِلمُتقِينَ)، فقيل: للتشريف، وقيل: إن الهداية يراد بها الإيمان، قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) ويطلق بمعنى التوفيق والإرشاد إلى طريق الحق.


الصفحة التالية
Icon