الجواب الثاني: إن الزيغ يحصل للقلب بأول وهلة، والهداية إنما تحصل له غالبا بعد تأمل، ونظر واستدلال فحصولها يشترك فيه القلب، والسمع، والبصر، وغيرهم.
قيل لابن عرفة: هل ينظر في الشبهة فيضل؟ فقد حصل الزيغ بالتأمل، فقال: لم ينظر ليضل، وإنما ينظر فيها ليهتدي فضل.
ابن عرفة: وهذا إن كان من قول الراسخين في العلم فهي هداية خاصة، وإن كان أمر لجميع النَّاس أن يقولوه فهي هداية عامة.
قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ (٩)﴾
ابن عرفة: كانت اللام للتقوية فظاهر، وإن كانت للتعليل فلا بد من مقدار أي جامع النَّاس لجزاء [١٧/ ٨٢] يوم.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ (١٠)﴾.. ابن عطية: هم الدهرية المنكرون للبعث.
ابن عرفة: أو نصارى نجران، وهو المناسب؛ لأنه السبب في نزول الآية فالظاهر العموم، فإن قلت: وكذلك المؤمنون لَا تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا، قال تعالى: (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا)، فالجواب: أن المؤمنين تنفعهم أموالهم بإنفاقه على العيال، وفي سبيل الله في الجهاد وفي الزكاة، وصدقه التطوع والولد الصالح يدعوا لأبيه بعد موته فينتفع بدعائه بخلاف الكافر، فإن قلت: تأكيده شيئا يقتضي العموم في القليل والكثير، مع أنه ورد في قصة أبي لهب: أنه خفف عنه العذاب ليلة الاثنين، ويومه لكونه أعتق الخادمة التي بشرته بولادة النبي ﷺ حينئذ، وكذلك أبو طالب أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أهون أهل النار عذابا، فالجواب: إما بأن قصة أبي لهب كانت رؤيا نومية رآها العباس فلا يحتج بها، وإما بأن التأكيد بقوله شيئا، وإن كانت نكرة في سياق النفي فهو عام في الأشخاص والعام في الأشخاص عام في الأزمنة والأحوال، فتقول: ما اقتضى إلا أن أموالهم وأولادهم لا ينقذونهم منه، ولا من يعصمه في وقت ما.
قوله تعالى: (وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ).


الصفحة التالية
Icon