قيل لابن عرفة: نقل بعض الشيوخ عن الأستاذ ابن نزار أنه كان ينهى عن الوقف على ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ﴾ لأن قوله ﴿الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ﴾ مقابل لما قبله فالصواب إيصاله (به)؟
فقال ابن عرفة: كان غيره يختار في مثل هذا الوقف في الفصل بين كلام الله وكلامهم كما ينهى عن الوقف على «إنَّا مَعَكُمْ».
قوله تعالى: ﴿أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى... ﴾
الإشارة بلفظ البعيد إلى القريب (للبعد) من جهة المعنى. وفسر ابن عطية الشراء بأوجه متقاربة، إنها عبارات مختلفة فالأولان في كلامه راجعان لنفس المعنى، والأخيران (لكيفية) (صدق) اللّفظ على ذلك المعنى.
قال ابن عرفة: وأدخل الذين للحصر.
قال أبو حيان: ودخول الفاء في خبر الموصول لا يجوز إلا إذا كان الموصول عاما. (ويشترط) أن يكون فيه معنى التعليل للخبر وعادتهم يردون عليه بقوله تعالى: ﴿الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ لأنه ليس بعام ولا (هو) علة في الخبر، إذ ليس (الخلق) علة في الهداية وإلا لزم عليه مذهب المعتزلة.
قال: وهنا سؤال وهو لِمَ أثبت الضلالة دون الهدى والمناسب العكس أو كان يقال اشتروا (الضلال) بالهدى (فهو) أبلغ في الذّمّ لاقتضائه أنهم اشتروا الضلال الكثير بخلاف الضلالة الواحدة فإنها لا تفيد ذلك الذم؟
قال: والجواب بوجهين:
أحدهما: أنهم إذا ذمّوا على أخذ الواحدة من الضلال (فأحرى) أن يذموا على كثيره.
الثاني: أن هذا أشنع من حيث إنهم بدّلوا الهدى الكثير الشريف فأخذوا عوضه الشيء القليل من مقداره الحقير في ذاته.
فإن قلت: الهدى الذين اشتروا الضلالة به لم يكن لهم بوجه؟ قلنا: إمّا أنه يعد حاصلا لأجل تمكنهم منه أو هو حاصل
بالفعل لحديث: «كل مولود يولد على الفطرة» أو المراد المنافقون وقد حصل لهم الهدى (بالنطق) اللّساني فخالفوا بالفكر الاعتقادي (وبكفرهم) بلسانهم عند خلوّهم مع شياطينهم.
قوله تعالى: ﴿فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ... ﴾