قال الزمخشري: «مِن» الثّانية لابتداء الغاية، أو البيان، كقولك: رأيت منك أسدا تريد أنت أسد. وتعقبه أبو حيان بأن «مِنْ» البيانية لم يثبتها المحققون ولو صحت لامتنعت هنا إذ ليس قبلها ما تكون بيانا له لاَ معْرفة، مثل قوله تعالى: ﴿فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان﴾ ولا نكرة مثل: من تَضْرِب من رجل. (وقدروها) مع المعرفة بالذي هُو، ومع النكرة بضمير عائد عليها أي هو رجل. فإن قال: تكون بيانا للنكرة بعدها (أى
كلما رزقوا منها من ثمرة) (خلاف) الأصل بالتقديم والتأخير، وأما رأيت منك أسدا ف «من» لابتداء الغاية أو للغاية ابتدائها وانتهائها.
وأجاب ابن عرفة: بأنه (لا يريد) وأنها لبيان الجنس بل للتبيين وسماه بعضهم التجريد. ونقل بعض الطلبة أن ابن مالك جعل في قوله تعالى: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ للبيان.
قلت: وقال بعضهم: لم يذكر أحد أنها للتبيين، وما معناها إلا (بيان) الجنس. وذكر البيانيون أنها تكون للتجريد وهو للتبعيض مثل: لي من زيد صديق حميم، كأنك جردت عن صفاته رجلا صديقا وكذا قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ﴾ وقوله ﴿لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخلد﴾ وأنشد عليه ابن عطية في سورة آل عمران في قوله ﴿وَتُخْرِجُ الحي مِنَ الميت﴾ قوله الشاعر:
أفاءت بنو مروان ظلما دماءنا... وفي الله إن لم ينصفوا حكم عدل
وكأنه جرد من صفات الله تعالى حاكما عدلا.
قال الزمخشري: ومعناه هذا مثل الذى رزقناه إذ لا يصح أن يكون (ذات الحاضر عندهم) الذات الذي رزقوه ذات في الدنيا.
قال ابن عرفة: ومعناه أن هذا الذي أكلناه هو الذي رزقناه أولا، وهو الذي شاهدناه حين الأكل، على ما ورد أنّ الإنسان إذا أكل شيئا يرجع كما كان أولا).
قال ابن عرفة: وعلى القول بإجازة إعادة المعدوم بعينه يصح ذلك وهو مذهبنا.
قوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ... ﴾
أي مخلصة من الشين والدنس المعنوي والحسي المتصل والمنفصل فليس (لهن) ذنوب ولا نتن رائحة ولا حيض ولا بصاق ولا مخاط بوجه.


الصفحة التالية
Icon