وإنما نعلمه شيئا بعد شيء إذ لا يدري أحدنا مقدار عمره ما هو؟ فالإماتة متراخية عنه فاعتبر (فيه) التراخي، والحياة الثانية أيضا إنما
نعلمها من جهة الشرع وهو إنما أخبر بها بعد حصول الموت الأول وتقرره في جميع الناس حتى لا يبقى أحدهم منهم إلا مات فحياة أولهم موت متأخر عن موت آخرهم فاعتبروا فيها التراخي لهذا المعنى.
قلت: وقرر بعض الشيوخ كلام الزمخشري بأن الموت الأول لا (بداية) له بوجه فهو عدم مستمر غير مسبوق بشيء فروعي فيه آخره وأنه شيء واحد فعطفت عليه (الحياة) (بالفاء) إشارة إلى سرعة التكوين والحياة الأولى (زمنها) متطاول والخطاب (بالآية) إنما هو (للاحياء) فهو مدة حياتهم، وقد بقيت منها بقية ولها مبدأ ومنتهى، فاعتبر فيها التراخي، والموت الثاني عدم مسبوق بوجود قبله ومرتفع بوجود بعده فهو (محصول له) مبدأ ومنتهى فُروعي أيضا فيه التراخي فلذلك عطفت عليه الحياة الثانية بثم والله أعلم.
وأورد الزمخشري سؤالا على مذهبه (في اشتراط البنية) فقال: كيف قيل: لهم أموات في حال كونهم جمادا، وإنّما يقال: ميّت فيما تصح فيه الحياة من (البناء). وهذا على مذهبه
اشتراط البنية وهي (البلة) والرطوبة المزاجية (ولا يرد السؤال على مذهبنا بوجه).
قوله تعالى: ﴿هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم... ﴾
أتت هذه غير (مفصولة) وحقها أن تكون مفصولة بحرف العطف لمغايرتها لما قبلها. لكن يجاب: بأنّها أتت تفسيرا ودليلا على الجزء الأخير من الجملة (المتقدمة) وهي قوله ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أي الدليل على (إعادتهم ورجوعهم) إليه أنه خلق جميع ما في الأرض ومن (قدر) على خلق الجميع اولا لا يستحيل عليه إعادتهم ثانيا.
قيل لابن عرفة: أو يقال: الأول دليل على الخلق، وهذه دليل على العلم والأصوليون ما استدلوا على ثبوت العلم إلا بالخلق والقدرة؟
قال ابن عرفة: (والضمائر) منهم من قال: إنها كلية، وقيل: إنها (جزئية) والصحيح أنها بالإطلاق الأعم كلية (وأما بالاستعمال) الأخص فضمير المتكلم والمخاطب جزئيان
وضمير (الغائب) إن عاد على كلي فهو كلي مثل الإنسان هو حيوان ناطق. وإن عاد على جزئي فهو جزئي مثل: زيد هو قائم.
وقوله تعالى: «لَكُمْ»


الصفحة التالية
Icon