قوله تعالى: (وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ).
قال ابن المنير، وغيره: معناه أن الآيات التي أخبر بها قسمان فما يرجع منها إلى الأحكام بينه، أما وما يرجع إلى القصاص ونحوها أبقاه دون بيان، ولم يفضحهم فيه، فتعقبه ابن عرفة: بأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يترك شيئا من الوحي، وكل ما أنزل بلغه لنا ببينة، قال: وإنما المعنى أن الآيات التي أخفوها واقعا في كتبهم وبين بعضها، أما ولم يبين أنهم أخفوه وأنه في كتبهم، والمراد بالعفو عن كثير ترك فضيحتهم في ذلك، وليس المراد بالعفو عدم البيان إذ لَا يصح أن يقال فيما لم يبينه أنه عفا عن كثير.
قوله تعالى: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ).
قرينة دالة على أن الضمير في (يَعْفُو) عائد على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ لو كان عائدا على الله تعالى لقال: قد جاءكم منه نور وكتاب مبين.
قال ابن عرفة: والنور إما للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والكتاب المبين القرآن، وإما أن النور الكتاب، وقوله (وَكِتَابٌ مُبِينٌ) من عطف الصفات، فوصف الكتاب بكونه نورا وبكونه مبينا.
ابن عرفة: وفي الآية على ما فسرته أنا اللف والنشر، فالنور راجع لقوله (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ)، وقوله (وَكِتَابٌ مُبينٌ) راجع لقوله تعالى: (وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)؛ لأن النور كاشف لما وراءه فكشفَ باعتبار معناه، وباعتبار محله، وكونه في كتبهم وأخفوه، وكونه كتابا مبينا إشارة إلى استبانة معناه فقط.
قوله تعالى: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ... (١٦)﴾
ابن عرفة: المراد الهداية الأعمية وهي التمكن من الشيء، قال تعالى (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)، أو الهداية الأخصية فإن أريد الأخصية وهي الإرشاد إلى طريق الحق لزم تحصيل الحاصل؛ لأن تتبع الرضوان هذا فلا فائدة في هدايته، قال: وأجيب بكون المعنى أن من اهتدى للإيمان ببعض الرسل وعمل بما علم من شريعته، ثم أرسل إليه رسول آخر، فإن الله تعالى [... ] حصل عنده من العلم إلى الإيمان بهذا الرسول الثاني، وأن شريعته ناسخة لشريعة الرسول الذي كان قبله، فهي هداية أخصية مقولة بالتشكيك.