قيل لابن عرفة: كيف يفهم قوله تعالى: (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) مع أن الذي أرسل إليه الرسول الثاني بعد إيمانه بالأول لم يكن خبر إرسال الثاني في الظلمات، فقال: كان متمكنا لها وقائلا لها، وكان كفره بالثاني فكأنه حصل في الظلمات بناء على أن من ملك أن يملك يعد مالكا.
قال ابن عرفة: فإِن قلت: هذا مشكل بما أجاب به الزمخشري، في قوله تعالى: في الأنعام (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) قال: إنما أفرد النور وجمع الظلمات؛ لأن طرق الضلالة متعددة، وطريق الحق واحد، وهنا ينبغي تعدد طرق الحق، فأجاب ابن عرفة: بأن طرق الحق إن تعددت فهي موصلة لشيء واحد، وطرق الضلال إذا تعددت توصل إلى ضلالات متعددة؛ لأن أنواع الكفر متعددة كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم.
قيل لابن عرفة: ما أفاد قوله تعالى: (وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) بعد قوله تعالى: (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ) فأجاب بأن قواعد العقائد متعددة منها الإيمان بوجود الله تعالى، والإيمان بوحدانيته، وما يجب له وما يجوز له وما يستحيل في حقه، والإيمان ببعثه الرسل وكل ما جاءوا به، وبالمعاد والحشر والشر، فأفاد هذا الإيمان بالفروع، وأفاد الأول الإيمان بالصانع وبنفس رسالة الرسل.
قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ... (١٧)﴾
قال ابن عرفة: انظر إلى حيث مقالتهم كيف أتوا باللفظ الأبلغ من ثلاثة أوجه؛ لأن قولك: الخليفة أبو بكر أبلغ من قولك: أبو بكر الخليفة؛ لاقتضائه حصر الخلافة في أبي بكر.
الثاني: البناء على الضمير.
الثالث: التأكيد.
قوله تعالى: (قُل فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيئًا).
ابن عرفة: الفاء جواب شرط مقدر، أي إن كانوا ما قالوه حقا فمن ملك من الله شيئا، وهذا استدلال بمقدمة إما جملية، وإما شرطية فتقدير الجملية: كل قابل للهلاك غير الله والمسيح ابن مريم قابل للهلاك فليس بإله، وتقدير الشرطية: كله ما كان المسيح ابن مريم قابلا للهلاك كان غير إله فالمقدم حق فالثاني حق فالملازمة صحيحة.
قوله تعالى: (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا).