أي قادر على إعادتكم وحشركم، أو قادر على تنعيم من بشر فاهتدى، وتعذيب من أنذر فتعنت ولم ينزجر.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ... (٢٠)﴾
زاد هنا (يَا قَومِ)، وفي سورة إبراهيم (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) فأسقط هنالك يا قوم.
قال ابن عرفة: وسبب ذلك أن التكليف إن كان بأمر خفيف لم يقع فيه إطناب ولا تأكيد، وإن كان بأمر مشق أتى فيه بالنداء، كما إذا أراد الأب من ابنه أمرا مشقا، فإنه يقول له: يا ولدي، افعل كذا بخلاف ما إذا كلفه بأمر خفيف فإِنه لَا يناديه كذلك، قلت: وأجاب أبو جعفر بن الزبير بأنه اعتمد في الفائدة على تذكيرهم بأنواع النعم من جعل الأنبياء فيهم وجعلهم ملوكا، وإعطائهم ما لم يعط غيرهم، وكان ذلك تشريفا باعتناء الله بهم وتفضيلهم على من عاصرهم، فناسب نداء موسى لهم يا قوم فالإضافة إلى ضميرهم إشعارا بالقرب والمزية، ولما اقتصر في سورة إبراهيم على تذكيرهم فنجاتهم من آل فرعون، وما كان يتوهم فيمن ذبح ذكور أبنائهم، واستحيا بناتهم ولم يذكر منها شيء من هذا فناسب الاقتصار على خطاياهم دون النداء يا قوم.
قوله تعالى: (وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ).
قال ابن عرفة: إن أريد بالمؤتى الأنبياء فالعالمين عام في النَّاس كلهم، أي وأرسل إليكم من الأنبياء ما لم يرسله لأحد من العالمين، وإن أريد بالمؤتى المعجزات فالعالمين هم عالمون زمانهم؛ لأن معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعظم من معجزات موسى، وأتى بقوله (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) قال ابن عرفة: أتى به غير معطوف لمغايرة هذه الجملة لما قبلها، فالأول خبر وتذكير بنعم الله عليهم، وهذه تكليف وأمر لهم، وتقدير هذه الأرض إما في الدنيا بكثرة خيراتها ونعيمها، وإما في الآخرة بكثرة ثواب الأعمال فيها؛ لأن فيها بيت المقدس.
قوله تعالى: ﴿التِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُم (٢١)﴾
تحريض وحث على دخولها بمعنى أنكم لَا بد لكم من دخولها؛ لأن ذلك مقدر عليكم مكتوب في علم الله تعالى.
قوله تعالى: (وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) لما كانوا في مقام الامتنان بهذا فكانوا حاصلون فيه، فإن لم يمتثلوا صاروا كأنهم ارتدوا على أدبارهم.