قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ... (٢٢)﴾
ابن عرفة: انظر إلى شدة هلعهم وخوفهم وتكاسلهم وعدم وثوقهم بما وعدهم موسى من أنهم لو مضوا إليها [لدخلوها حتما، وظفروا*] بأهلها، فجعلوا المانع لهم من دخولها وجود مطلق قوم جبارين فيها فضلا عن أن يكون أهلها كلهم جبارين حتى عرض منها بالغوا في الامتناع من الدخول بنفيهم الدخول بكلمة لن [وجعلوا النفي مغيا*] بحتى المقتضية لدخول ما بعدها فيما قبلها، فإِن قلت: ما أفاد قوله تعالى: (فَإِن يَخْرُجُوا) مع أن مفهوم [الجملة الغائية*] تقتضيه؟ فالجواب: أنه أفاد تأكيدهم دخولهم لها بأن مع الجملة الاسمية المقتضية لكمال دخولهم لها بعد ذلك وثبوته ولزومه.
قيل لابن عرفة: وأراد نفي ما يتوهم من دخول ما بعد حتى فيما قبلها، كما قلتم: أكلت السمكة حتى رأسها فيتوهم أنهم قصدوا نفي الدخول أبدا.
قوله تعالى: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ... (٢٣)﴾
ولم يقل: ادخلوا إشارة إلى الأمر بقتالهم حتى تهزمونهم فيلجأون إلى باب المدينة فيدخلون عليهم.
قوله تعالى: ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ... (٢٨)﴾
قال الزمخشري: هلا اكتفى بجواب الشرط منفيا بلفظ المستقبل؛ كما أتى في الشرط مثبتا بلفظ الفعل، وأجاب بجواب لَا [ينهض*] وهو أن قال: إنما جاء هكذا ليفيد أنه لَا يفعل ما [يكتسب*] به هذا الوصف [الشنيع*]، ولذلك أكده باللام المؤكدة للنفي، وأجاب ابن عرفة بوجهين:
الأول: أن الأمر الثابت الواقع لَا يندفع إلا بالأمر القوي البليغ، ونفي بسط اليد للقتل يتقرر ثبوته بأحد أمرين:
أحدهما: نفي بسط اليد من أصل الكف، والمدافعة [... ] عن بسطها للقتل فنفاهما بالأمر الأبلغ ليثبت نقيضه، وهو قتل أخيه إياه.
الوجه الثاني: أنه نفى بسط يده إليه ليقتله فلذلك نفاه بالاسم، ونفى بسط يده إليه ليكف عن نفسه ويدافعه إشعارا بأنه لَا يقتله.
قوله تعالى: (إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ).