قال أهل علم البيان: الإشارة يؤتى بها للتحقير؛ كهذه الآية، ومثله (بَل فَعَلَهُ كَبيرُهُم هَذَا)، وكقوله: (فَصَكَّتْ وَجْهَهَا) [تقول وصكت صدرها بيمينها:... أبعلي هذا بالرحى المتقاعس*] (١) يصف امرأة وهي رأت بعلها يخون وهي في جمع من النساء فاحتقرته، حكاها المبرد في الكامل].
قوله تعالى: (إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ).
قلت لابن عرفة: هذا دليل على صحة قول النحاة: أن أصله أن زيدا قائم، ثم والله إن زيدا لقائم سماه الله جهد أيمانهم، وأشار إلى أنه الغاية في ذلك.
قوله تعالى: ﴿يُحِبُّهُمْ... (٥٤)﴾
ليس المحبة الميل وإنما هي بمعنى صفة الإرادة أي من يذمهم الخير والرضا وصفة الفعل أن يفعل به الخير، وقال عياض في الإكمال أن محبوبه يصح أن يكون بمعنى الميل؛ لأنه من المخلوق.
ابن عرفة: وكان بعضهم يرده بأنه لَا يمال إلا إلى كمال إليه، والجسم في حق الله تعالى محال.
قوله تعالى: (وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ).
قيل لابن عرفة: لم أفرد اللومة واللائم، والمناسب جمعهما؛ لأن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، فأجاب بمثل ما أجاب الزمخشري، في قوله تعالى: (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ) أي معلمين الكلاب إشارة إلى [ضريهم*]، ومعرفتهم بالتعليم، وكذلك هذا إشارة إلى أنهم لَا يخافون لومة لائم الذي يعتبر لومته، وهو الذي له تمييز ومعرفة بحقائق الأمور ومواضع اللوم فيها.
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا... (٥٥)﴾
قال ابن عرفة: هذا عندي إشارة إلى الاستدلال بالقرآن ثم بالسنة ثم بالإجماع.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (٥٦)﴾
قال ابن عرفة: كان بعضهم يقول: في هذا مقدمة مضمرة، ويجعله من القياس الشرطي الاقتراني، مثل قوله تعالى: (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) والتقدير: من يتول الله ورسوله فهو من حزب الله، وكل من هو من حزب الله غالب، ومن يتول الله ورسوله غالب وإن لم

(١) تم جبر هذا السقط من (الكامل للمبرد. ١/ ٣٤).


الصفحة التالية
Icon