قال ابن عرفة: نصوا على ما بعد حتى داخل فيما قبلها فيلزم أن لَا يكونوا على شيء إذا أقاموا التوراة، قال: لكن يجاب بأنه قصد المبالغة والإشعار بأنهم لَا ينتفي عنهم وصف كونهم ليسوا على شيء حتى يقيموا التوراة ويدعوا على ذلك، وأما في أول الأمر فلا.
قوله تعالى: (طُغْيَانًا وَكُفْرًا).
الطغيان التعنت والعصيان، والكفر العصيان بالاعتقاد.
قوله تعالى: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩)﴾
فإن قلت: لم نفي الخوف بالاسم وهو التألم بسبب أمر واقع فيما مضى، والمناسب العكس.
قال ابن عرفة: فالجواب أنه روعي في كل واحد منهما سببه فسبب الخوف مستقبل وهو متقدم عليه، فجعل ماضيا ثابتا واقعا فأتي فيه بلفظة الاسم المقتضي للثبوت، وسبب الخوف ماض وهو متأخر عنه فجعل مستقبلا لتأخره عن سببه فأتي فيه بلفظ المستقبل.
قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ... (٧٠)﴾
قال ابن عرفة: وجه مناسبتها لما قبلها أنه لما تقدم لنا الأمر بالتبليغ واعتزال الكافرين وكانوا بعد ذلك لَا يطيعون عقبه بهذه الآية تسلية له صلى الله عليه وعلى آله وسلم في عدم طاعتهم له ببيان أن الأمم السالفة فعلوا كذلك مع أنبيائهم.
قوله تعالى: (كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ).
إن قلت: هلا قيل: كل رسول جاءهم؟ فالجواب أنه أعم؛ لأن كلما شرط والجزاء معاقب للشرط فيفيد تعجيل فعلهم ذلك ومبادرتهم له بنفس مجيء الرسل لهم، وأيضا فكلما منصوبة على الظرفية فيفيد عموم قولهم ذلك في كل زمان إلا أن مالكا جعل كلما عامة.
قوله تعالى: (فَرِيقًا كَذَّبُوا).
فسره المفسرون على أنهم كذبوا فريقا من الرسل وقتلوا فريقا منهم.
ابن عرفة: وكان بعضهم يفسره على إضمار فعل أي جعلنا فريقا كذبوا وفريقا يقتلون، فيفيد أن بعضهم كذب الرسل وبعضهم قتلهم، ومفهومه أن البعض الآخر لم يكذب ولم يقتل، وهذا أنسب من الأول؛ لأن الذي قال المفسرون يقتضي أن جميعهم