تعلمون احتياج مريم إلى الطعام، وأن ذلك موجب لحاجتها وافتقارها لحاجتها كذلك هو في عيسى عليه السلام.
قوله تعالى: (انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
هذا دليل على صحة ما يقولونه من أن ارتباط الدليل بالمدلول مادي؛ لَا عقلي، قال: ويجاب بأنه عقلي [فإنهم لم يعبروا*] على الوجه الذي منه يدل الدليل.
قوله تعالى: ﴿قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦)﴾
قدَمنا أن عند ابن عرفة في الختمة منها ثلاثة أسئلة:
أولها: [قوله: أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ*] على تخصيص غيره [بالعبادة*]، وهم لم يخصوا الغير بها، لكن أشركوا غير الله معه في العبادة، فقالوا: إن الله ثالث ثلاثة، وتقدم الجواب بأن عبادتهم الأصنام لَا تقتضي تشريكا؛ لأن من شرط المعبود أن لَا تشرك معه غيره فليس في التشريك عبادة فلم يعبدوا الله وأيضا فإِنهم لما أشركوا في العبادة جعلوا لكل من المعبودين نصيبا منها قولك النصيب الذي لغير الله عبدوا فيه ذلك الغير من دون الله.
السؤال الثاني: لم قال (لَا يَمْلِكُ لَكُم) ولو قال: لَا يملك ضرا ولا نفعا لكان أبلغ في النفي والعجز وتقدم الجواب بأنه إذا كان لَا ينتفع الخاص به المقرب إليه، فأحرى أن لَا ينتفع به البعيد عنه ولا يضره.
ورده ابن عرفة: ليس من باب أحرى؛ لأن هؤلاء شركوا في العبادة، وغيرهم خصوا غير الله بالعبادة فما يلزم من كون غير الله لَا ينتفع من أشركه في العبادة مع الله لا ينفع من اختصه بالعبادة فليس من باب أحرى، وأجاب ابن عرفة من السؤال بأنه لو قال: ما يملك ضرا ولا نفعا لكانت سالبة كلية، والسالبة الكلية تناقضها السالبة الجزئية، فكان يكون مفهومه أن الله يملك النفع والضر؛ لأنه إذا كان غير الله لَا يملك ضرا ولا نفعا كان الله يملك ضرا ونفعا من قولنا: يملك ضرا ونفعا بمطلق؛ لأنه في سياق الثبوت، والمطلق يقيده بصورة فيقولون هم: نعم الله يملك ضرا ونافعا لغيرنا، وهم الذين خصوا غيره بالعبادة تجردت وأما نحن فلا؛ لأنه إذا كان ضرهم لأنك صدق أنه يملك ضرا ونفعا فأتى بلفظة لكم فيكون الكلام أبلغ ولا يبقى لهم فيه مقال؛ لأنه أفاد أن الله يملك لكم الضر والنفع، وغيره لَا يملك لكم ضرا ولا نفعا.


الصفحة التالية
Icon