يشربون القليل منه، حتى فال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ما أسكر كثيره فقليله حرام".
قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا... (٩٣)﴾
قال ابن عطية، عن ابن عباس: سبب هذه الآية لما نزل تحريم الخمر، قال قوم من الصحابة: يا رسول الله، كيف بمن مات منا وهو يشربها؟ فنزلت.
قال ابن عطية: فيها تقرير لهم عمن مات على القبلة الأولى التي كانت لبيت المقدس، فنزلت (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) ابن عرفة: بل هذا أقرب وأنفع فإِنه راجع لدفع المؤلم وهو زوال الإثم عمن ارتكبه بشربه الخمر، وحكم القبلة راجع لعدم الحرمان من الثواب على استقبال بيت المقدس، لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) فيرجع إلى طيب الملائم.
قال ابن عرفة: وأخذوا من الآية مع هذا السبب مطلبين:
الأول: جواز ما لَا يطاق؛ لأن الصحابة توهموا عند نزول تحريم الخمر أنه كان شرعياً ما لم يرجع أنه لم يكن عالما تحريمها هو عين تكليف ما لَا يطاق.
المطلب الثاني: وقوع تكليف ما لَا يطاق، بمفهوم قوله تعالى: (عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) فدل على أن الكفار عليهم مع أنهم غير مكلفين بتحريمها مع أنه لَا يطيقه، قال: وأجابوا من الثاني بأن وقوع التكليف إنما هو فيما علم فيه التكليف، وأما الكفار فلم يعلم تكليفهم قبل نزول هذه، وبه قال: ونفي الجناح باعتبار ظاهر اللفظ لَا يدل على إباحة ذلك بل يحتمل الكراهة باعتبار سياق الآية ووقع الخطاب بذلك والتكليف يدل على الإباحة.
قوله تعالى: (إِذَا مَا اتَّقَوْا).
(إِذَا) إما بمعنى إذا أو حكاية حال ماضية.
[قال ابن عطية: [وتأول*] هذه الآية قدامة بن مظعون من الصحابة وهو ممن هاجر إلى أرض الحبشة، إلى أن قال: قال الجارود: [لعمر*] (١) أقم على هذا كتاب الله.
قال ابن عرفة: إن قلت حد الخمر ليس في كتاب الله، وإنما هو القياس على حد القذف وبالاجتهاد، وحسبما حكى الأصوليون عن سيدنا علي أنه قال: إذا شرب هذى

(١) تم جبر هذا السقط من (المحرر الوجيز. ٢/ ٢٣٥).


الصفحة التالية
Icon