قيل لابن عرفة: أكنة جمع قلة، وقلوبهم جمع كثرة، فكيف يسر القليل الكثير؟ فقال: استعمل جمع القلة هنا من أدائه الكثرة.
قال ابن عرفة: وتقدمنا سؤال وهو أن السمع متقدم في الوجود على الفهم إذ لا يفهم الإنسان الشيء حتى يسمعه، فقدم في اللفظ ما هو متأخر في الوجود.
قيل لابن عرفة: فقد يفهم من لَا يسمع وذلك من الكتب، فقال: الكتب من السمع إلا يرى أن الدلائل السمعية منها مسموع ومنها مكتوب، وكلها راجعة للسمع؛ لأن المكتوب يسمع قبل كتبه وحينئذ يكتب، وتقدم الجواب بما أجيب به في قوله تعالى: (فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) من أن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص، وثبوت الأخص يستلزم ثبوت الأعم ولا ينعكس، والمسموع أعم؛ لأن منه ما يفهم، ومنه ما لَا يفِهم، فلو قدم أولا لكان نفي الفهم عنه تأكيدا، فلما قيل (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) انتفى عنهم الفهم، وبقي السمع بلا فهم، فبقي ثانيا وكان تأسيسا، قلت: وأجاب بعضهم بأن المراد الفهم بقصد والسمع وصله، والمقصد أشرف من الوسيلة فقدر للاهتمام.
قوله تعالى: (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا).
هذا زيادة في التشنيع عليهم بأنهم لَا يؤمنون إلا بالمسموع أو بالمرئي، وعبر بأن الدلالة على الشك وعدم الوقوع؛ لأن رؤيتهم لكل الآية لم تقع وإنما الواقع رؤيتهم لبعضها، قال ابن عرفة: وكل هذه كما ذكر النحويون أنها إن ارتفعت تقتضي العموم، وإن انتصبت لم تعم، ذكروه في قوله:
قَدْ أصبحَتْ أمُّ الخِيارِ تَدَّعي | عليَّ ذَنْباً كلُّه لم أَصْنعِ |
قال ابن عرفة: والصحيح أيضا إن دخلت على أعم كانت كلية فلم تقتضى نحو كل حيوان، وإن دخلت على شخص كانت تقتضي العموم نحو: كل الرغيف أكلته.
قوله تعالى: [(وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٢٩) *] قال الزمخشري: إما أنه من تمام الأول، ولو ردوا لقالوا: (مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا)، وإما أنه قولهم في الآخرة، فيرجع لقوله (وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ).
ابن عرفة: أو استئناف كلام أي واساهم هذا، فيرجع إلى قولهم في الدنيا.