قال ابن عرفة: بل يقول: ينقطع ويكون من باب تأكيد الذم بما يشبه المدح كقوله:
هو الكلبُ إلاَّ أنَّ فيه ملالةً... وسوءَ مراعاةٍ وما ذاكَ في الكلبِ
قوله تعالى: (يَا حَسْرَتَنَا).
قلت: الحسرة اللائقة بهم فلذلك أضافوها إليهم.
قوله تعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ... (٣٢)﴾
اللعب: الاشتغال بما لَا يفيد بأمر عن أمر ملائم، ولذلك أكثر ما يطلق اللعب على فعل الأطفال واللهو على الرجال.
قوله تعالى: (أَفَلا تَعْقِلُونَ).
المراد عقل النجاة والفوز لَا عقل التكليف وفعل المجانين من غير قصد، وفعل العقلاء عن قصد وكسب وأعذار، كان الكسب الرأي وهو العلم بما في العمل من مصلحة أو مفسدة، فالفعل إن كانت فيه مصلحة لَا يشهد الشرع باعتبارها فهو لعب ولهو، فمن يأكل ليتقوى على الطاعة فهو مندوب إليه وله فيها الثواب، ومن يأكل لإقامة بدنه خاصة فهذا لمصلحة خاصة فهو سبب النهي، ومن يأكل لمجرد الالتذاذ فهذا يشبه، ووقع في القرآن اللعب مقدما على اللهو مرة، ومؤخرا عنه أخرى فهو دليل على التسوية بينهما في المفسدة.
قوله تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ... (٣٣)﴾
احتجوا لهذا القائل بأن الكذب إنما يطلق على من تعمد الإخبار بالشيء على خلاف ما هو به.
وأجاب ابن عرفة: بأن هذا تكذيب لَا كذب، والتكذيب قد يكون فيما قد طابق وفيما وافق.
قوله تعالى: ﴿وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ... (٣٤)﴾
قال ابن عرفة: وجه مناسبتها لما قبلها عندي أن الإنسان إذا استحضر مقام التوحيد علم أن الأشياء كلها خلق الله تعالى وفعله واختراعه، قيل لابن عرفة: قد يحتج بها من يمنع النسخ في القرآن، فقال: النسخ بحقيقة؛ لأن المنسوخ لم يزل ثابتا في الذهن فلم ينسخ من جميع الوجوه، قيل له: فاليهود بدلوا وغيروا في التوراة، يقال: بدلوا ألفاظها، وأما معناها وهو الكلام القديم الأزلي فلم يقع فيه تبديل بوجه.