قوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى... (٣٥)﴾
المراد الهداية بالفعل واعتزل [المهدوي*] هنا، فقال: لاضطرهم إلى الهداية فاهتدوا.
قيل لابن عرفة: قال بعضهم: لو شاء الله لنصب لهم الدلائل المتوسطة ليظهر الحكمة في ذلك فيؤمن بعضهم ويكفر بعضهم فيقع الثواب والعقاب بسبب.
قوله تعالى: (فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ).
وقال لنوح: (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) فأورد المفسرون سؤالا من ناحية أن [الخطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم*]، والمراد أمته، وإما أن نوحا خوطب بهذا السند وسببه، وإما لأن القريب المحبوب ليشدد عليه النهي أكثر ممن ليس كذلك كراهة أن يقع المحظور، قلت: ونحوه نقل القاضي عياض في مداركه عن بعضهم لمن عرف بالسهروردي المالكي فقيه بغداد، وأنشدوا:
[لا تصيب*] الصديق قارعة التأنيب... إلا من الصديق الرغيب
وأخبر ابن عطية بأن الأمر الذي نهى عنه نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكبر وأعظم من الذي نهى عنه نوح عليه السلام، فكان النهي في [الأمرين اللذين وقع النهي عنهما والعتاب فيهما*] بحسب تعلقه (١)، ابن عرفة: وعادتهم يجيبون بوجهين:
أحدهما أن نوحا خوطب بهذا حيث لم يكن هنالك كفار بوجه؛ لأنه خوطب به بعد أن غرق الكفار، ولم يبق سوى هو وقومه، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خوطب بذلك في محل الكفار. [ليعتبروا*] بهم، فشدد عليه في النهي لينزجر الكفار ويتعظوا.
الثاني: أن هذا ينتج العكس سواء، فيعجل نهيه مقرونا بالتخويف، لقوله (إِنِّي أَعِظُكَ) هو أكثر من نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قلت: وكذا قال القاضي عياض في مداركه لما ذكر ما نقلنا عنه، ثم قال: والصحيح أن الآيتين بمعنى وانظر كتاب الشفاء لعياض.
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى... (٣٦)﴾
قال ابن عرفة: هذا يحتمل وجهين:

(١) قال القاضي أبو محمد: والوجه القوي عندي في الآية هو أن ذلك لم يجئ بحسب النبيين، وإنما جاء بحسب الأمرين اللذين وقع النهي عنهما والعتاب فيهما، وبين أن الأمر الذي نهى عنه محمد ﷺ أكبر قدرا وأخطر مواقعة من الأمر الذي واقعه نوح صلى الله عليه وسلم. اهـ (المحرر الوجيز. ٢/ ٢٨٨).


الصفحة التالية
Icon