قال ابن عرفة: تقدم لنا فيها سؤال وهو أنهم كفار فعبر عن عذابهم بالمس وهو أوائل العذاب، فهلا قيل: محيط بهم العذاب؟ قال: وتقدم لنا الجواب بأنه يناله مقدمات العذاب بأعم وصف، وإن شئت أن تقول وصفهم بأخص وصف وهو التكذيب، والكفر اعتبارا بأعمه وهو الفسق، ومجرد الخروج عن طاعة الله، ورتب على ذكر الأعم مقدمات العذاب وعلله بالوصف الأعم وهو الفسق فيتناول ما فوقه من باب أحرى.
وقال الزمخشري: جعل العذاب ماسا كأنه يفهم بهم ما يرى من الألم، ومنه قوله: ليست الأوامر إلا بعد مسّ.
قال ابن عرفة: هذا خلاف ما قاله ابن رشد في المقدمات في الفرق بين الملامسة والمماسة، فقال: الملامسة لَا تكون إلا عن قصد بخلاف المماسة، فيقال: تماس الحجران، ولا يقال: تلامس الحجران، ابن عرفة: إلا أن يجاب بأن العذاب يعقل فيه الفاعلية، والحجر لَا يعقل فيه الفاعلية فلا يلامس الحجر الحجر، ويقال: تماس الحجران.
قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ... (٥٠).. ابن عطية: سببها أن الكفار، قالوا (لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (٧) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا)، (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠)﴾ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ).
قال ابن عرفة: عادتهم يقولون: هذا بسبب ماض، فهلا قال: ما قلت لكم خزائن الله؟، قال: وتقدم الجواب بأنه لو قال كذلك لما تناول النهي إلا القول اللفظي الماضي فقط، وقد ينفي الإنسان الشيء فيما مضى ويفهم من حاله أنه سيقوله في المستقبل، إذ دل الحال على أنه يقول ذلك لهم فيه فقد نفى، بقوله الصدق: لَا أقول لكم عندي كذا، فإن قلت: هلا قال لهم: ليست عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب فهو أقوى وأبلغ من نفي القول، أو لعلهم يتوهمون أن ذلك عنده وإنما دليل حالهم أنهم نسبوا إليه أنه ادعى أن ذلك في قدرته.
قوله تعالى: (إِنَّ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ)
وقد يحتج بها من ينفي القياس، فيجاب بأن القياس من الوحي، لقوله تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) وقد يحتج بها من ينفي كونه


الصفحة التالية
Icon