مجتهدا فيه، فيجاب بأن الاجتهاد من الوحي، لقوله تعالى: (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا).
قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ... (٥١)﴾
ابن عرفة: الإنذار عام للجميع وتخصيصه [في هؤلاء*] إما لأنه إنذار خاص وهو الإنذار المؤثر النافع، أو لأن مفهومه عدم إنذار غيرهم فيعارض منطوق الآية الأخرى المتطابق لإنذار الجميع، أو بين المفهوم والإنذار لغير الخائنين من باب أحرى.
ابن عرفة: وتقدم في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ) إما أنه راجع لملازمين فهم في كل زمان لَا يطمعون في الحياة إلى الوقت الذي بعده، وكذلك حري هاهنا، قال: وعبر بلفظ الرب تنبيها على أنهم إذا خافوا مولاهم مع استحضارهم ما عنده من الحنان والشفقة فأحرى أن يخافوا مع استحضارهم أنه عزيز ذو انتقام.
قوله تعالى: (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
الولي هو الناصر مقيد بكونه قريبا، أو يكون بينه وبين وليه لحمة بوجه، والشفيع هو الناصر مطلقا قريبا كان أو أجنبيا وهو من عطف الأعم على الأخص.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ... (٥٢)﴾
لما ذكر ابن عرفة اختلاف طريق المفسرين في سبب نزول الآية، وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يحكم أحيانا باجتهاده من غير وحي عملا بتقديم أرجح المصلحتين ودرء المفسدتين؛ لأنه لَا يرى إبعاد أولئك يوجب كفرهم لقوة إيمانهم، ويوجب إيمان كثير من صناديد قريش.
قال أبو نعيم في الحلية: وكان سفيان الثوري يتحلى بهذه الصفة المذكورة في هذه الآية فيفضل في مجلسه الفقراء على الأغنياء، ابن عرفة: إنما دلت الآية على التسوية بين الأصلح والصالح، وبين الفقير الصالح والغني.


الصفحة التالية
Icon