وحكى ابن عطية عن سيدي عبد الله بن سعد بن أبي سرح أنه كان يكتب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما نزلت (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَان مِنْ سُلالَةٍ مِن طِينٍ) إلى قوله (ثُمَّ أَنشَأنَاهُ خَلْقًا آخَرَ). فقال ابن سعد (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "اكتبها فهكذا نزلت، فقال عبد الله: أنا أصنع مثل القرآن" وارتد ولحق بدار الحرب ثم أسلم وحسن إسلامه وهذا توهم خطأ؛ لأن من قواعد علم البيان الإرصاد وهو أن يكون الكلام دالا على معنى الذي بعده وهذا أحد معجزات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأحد معجزات القرآن، فجعل هذا عبد الله بن سعد وتوهم أن ذلك من عنده.
قال ابن عطية: وروي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أملى عليه (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فبدلها هو (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ذلك هوى".
قال ابن عرفة: هذا لَا يصح وعبد الله بن سعد هو الذي افتتح إفريقية في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وببركته المسلمون فيها إلى الآن.
قوله تعالى: (وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ).
هذا ممن افتري على الله الكذب فهو يوهم أن كلام الله غير معجز فصح عدم إمكان معارضته، ولو علم أنه معجز لافتقد العجز عن مصارحته.
قوله تعالى: (بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ).
قال: فعادتهم يجيبون بأنه لو قال: تقولون على الله الباطل لما تناول إلا من قال متعمدا متحققا أنه باطل ويبقى المتصف بالوهم والشك، أو من قاله غير مستند لدليل فهذا قال غير الحق، ولا يصدق أنه قال الباطل.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى... (٩٤)﴾
قالوا: هذا القول من الملائكة لهم إما عند الموت أو يوم القيامة.
ابن عرفة: قالوا: فإن قلت القسم إنما هو لمن ينكر أو ظهر عليه مخايل الإنكار؛ فأجيب التشبيه في الانفراد بالخلق لَا من جميع الوجوه.