مجهول من جهة اتصافه بهذه الأمور، وهذا ينتهي عليه لكن يرد على هذا أنه لما أخبر عنه بهذه الأشياء صار معلوما من الجهتين، فلم تكن للجملة الثانية فائدة؛ فأجيب بأنها أفادت الحصر وهذا معلوم لمن قرأ علم المنطق؛ لأن القضايا على قسمين فمنها قضية تنعكس كنفسها وأخرى تنعكس فتقول كل حيوان متحرك بالإرادة وكل متحرك بالإرادة حيوان، وتقول: كل إنسان حيوان، وأن المتسبب بذلك هو الله تعالى لَا غير.
قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا... (٩٦)﴾
لما كان الحسبان يقع بهما والشمس راجعة للحسبان، الشمس والقمر للحساب القمري برؤية الأهلة.
قوله تعالى: (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).
قال ابن عرفة: إن قلت: هل قيل: ذلك خلق العزيز العليم كما قال (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) فالجواب أن التقدير بمعنى الإرادة، والإرادة فائدتها التخصيص، فلو قيل: ذلك خلق العزيز العليم لما أفاد تخصيصهم صفة دون صفة، وقيدت من بعض كلام أصحابنا في هذه الآية ما نصه:
قال الزمخشري: يصح عطف الشمس على موضع والليل؛ لأن موضعه نصب، فإِن قلت: كيف صح عطفه عليه واسم الفاعل للمضي فلا يعمل، فأجاب بأنه إذا عمل لكونه دالا على معنى في الأزمنة المختلفة.
قال أبو الحسن الطيبي: يعني أن في إضافته اعتبارين:
أحدهما: أنها محضة باعتبار معنى المضي فيه وبهذا الاعتبار يقع صفة للمعرفة.
وثانيها: أنها غير محضة باعتبار معنى الاستقبال فهذا الاعتبار يعمل فيما أضيف إليه، ونظيره قوله تعالى: (أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) كان (أَيًّا). من حيث تضمنها معنى الشرط عاملة في تدعوا ومن جهة كون إنما متعلقا بـ تدعوا معمولا له.
قال ابن القصار: وهذا في غاية الإشكال؛ لأن اعتبارين متضادين في حيز واحد في محل واحد غير مفعول وإضافة الشيء الواحد في خبر واحد لَا تكون متصلة؛ لأنها باعتبار المضي حقيقة وباعتبار الاستقبال غير حقيقة فكيف يلاحظ فيها اعتباران متضادان بخطاب (أَيًّا مَا تَدْعُوا). لأن المحل مختلف والعمل كذلك فأحد المحلين العاملين أي وعلة الجزم، والآخر تدعوا ومحله النصب وهنا المحل واحد وهو الإضافة، انتهى.