ابن عرفة: والخطاب على هذا لم يجز بعدم إيمانهم فيكون في هذا عذر لهم. في طلبهم الآية المتقدمة.
قوله تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ... (١١٠)﴾
وقال في سورة الأحقاف (وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً) فقدم الأفئدة هنا على الأبصار وأخرها هناك في الأحقاف، قال: وعادتهم يجيبون أن السمع والبصر طريقان إلى القلب، وآية الأحقاف خرجت مخرج نفي الطرق والأسباب لقوله تعالى: (فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ) فاعتبرت فيه السببية، وهذه الآية خرجت مخرج إثبات المعنى الذي في القلب والإعدام بأن حصوله فيه إنما هو من الله تعالى لَا من غيره، فالله تعالى خلق في قلوبهم ضد الإيمان فلا يقابل غيره بوجه؛ لأن المقصود فيه الضد، فلا فائدة في الوسيلة أثر بوجه؛ لأن المقصود فيه الضد فلا فائدة في الوسيلة.
قوله تعالى: (كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ).
في هذا تنبيه على أن الإنسان ينبغي له أن يعتقد كمال التوحيد لله عز وجل، وأن لا فرق بين حالتهم قبل نزولها ولا بعد نزولها فدل على أن جميع ذلك بخلق الله تعالى وإرادته فلا يؤمنون بعد صيرورة الصفاء ذهبا كما لم يؤمنوا قبل ذلك، ومنهم من جعل الكاف للتعليل ويكون من المعاقبة بالذنب على الذنب.
قوله تعالى: (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
هذا أيضا من المعاقبة من الذنب بذنب آخر وهو أشد من العقوبة بالفعل لاستلزامه العقوبة على الأول والثاني.
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ... (١١١)﴾
ابن عرفة: أخذا به؛ لأن قوله (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يقتضي في غمة وحيرة، فقد يتوهم أن عدم إيمانهم بعد مجيء الآية التي طلبوا من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأجل شبهة تعرض لهم فيكون في غمة وحيرة بسببها، وإلا فقد حصل لهم العلم، فأفاد هذا أنهم يمتنعون لَا لأجل شبهة بل لكون الله تعالى أحيا لهم الأموات فكلموهم.
قيل لابن عرفة: هذا إن أريد الكلام من الحجر والحمار وهو الحروف والأصوات لا كلام النفس.


الصفحة التالية
Icon