المعشر هم الجماعة، وتصدير الآية بها توطئة لما رتب عليها وبه يترجم تأويلها، بأن المراد بقوله (رُسُلٌ مِنْكُمْ) أنهم من الإنس فقط، كقوله (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) وهو إنما يخرج من البحر المالح.
قوله تعالى: (قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا).
ابن عطية: هذا إقرار منهم بالكفر.
ابن عرفة: باعتبار شهادة كل واحد على نفسه، ويحتمل أن يكون شهادة حقيقية باعتبار شهادة كل واحد على غيره.
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ... (١٣١)﴾
ابن عطية: حملته على معنيين:
أحدهما: أن الله تعالى لم يكن ليظلم القرى فيهلكهم دون أن يبعث إليهم رسولا يبين لهم الشرائع والأحكام وينذرهم والباء على هذا للسبب، ابن عطية: وهذا هو البين القوي.
ابن عرفة: هذا المعنى لَا يهلك القرى بظلم منه لهم أو بظلم من بعضهم لبعض، ابن عرفة: والتأويل الأول لَا بشيء إلا على قواعد المعتزلة القائلين بوجوب بعثة الرسل عقلا، ونحن نقول: إنما يجب شرعا وهي محض تفضل من الله تعالى عز وجل، وفي الجائز أن يعذب الطائع وينعم العاصي وليس ذلك [ظلما*] بوجه؛ لأن الكل ملكه وهم يقولون: ذلك قبيح ويستحيل عليه فعله، ونحن نقول: الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه، وحتى ابن عطية كان يبين هذا.
قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ... (١٣٨)﴾
قال ابن عرفة: ذكر ابن العربي هنا في الأحكام والقرافي وغيرهما أن هذه الآية احتج بها من أنكر الاستحسان، ووجه الدليل ما قاله أشهب في كتاب الخيار فيما إذا ورث قوم خيارا فاختلفوا فالقياس أن لهم ألا يأخذوا جميعا أو يردوا جميعا، والاستحسان إن لمن أراد منهم أن يأخذ نصيب الراد إن شاء يفرق بينه وبين القياس وما الفرق بينهما إلا أن القياس مستند إلى حكم شرعي معبر عنه مصرح به، والاستحسان مستند إلى شيء قليل.