أي لَا أظلم ممن كذب على الله كذبا لَا شبهة له فيه؛ فهذا هو الافتراء وله نظائر في القرآن، وتقدم لنا في الجمع مثلها أن ينتج مساواتها في الظلم إلا ما قام الدليل فيه على عدم المساواة.
قوله تعالى: (لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ).
كان بعض الشيوخ يقول: إنه لَا يتناول من يقضي بغير علم ومن يدرس بغير علم؛ لأنه يقتدى به في ذلك ويعمل عليه فينتج مفسدة عظيمة، قال: وأما العلم الديني فكان ابن عبد السلام يقول: هو جائز عقلا لكنه لم يقع بوجه، فما رأينا ولا سمعنا وليا صالحا لم يحضر ميعادا قط، ولا قرأ على شيخ صار فقيها بوجه، وإنَّمَا يخلق الله له العلم مسألة مخصوصة معينة فيتكلم فيها بالصواب إما أنه يعلم مسائل المدونة كلها من أولها إلى آخرها، ومسائل البخاري كلها، فهذا أمر جائز عقلا محال عادة لم يقع بوجه.
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
إن كانت الألف واللام للعهد يبقى الذي علم دوام ظلمهم فهو عام، وإن كانت للجنس فهو مخصوص.
قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ... (١٤٥)﴾
قال ابن عرفة: هذا أمر قاض به بخلاف سائر الأمور، مثل (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فإنه أمر لَه ولسائر أمته بالتبعية له، وتقدم الكلام هو مأمور بتتابع الآية بكمالها، أو مأمور بقوله (لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا). إلى آخر الآية، وتقدم أن لَا لنفي المستقبل بالذات وقد ينفي الحال، وهي هنا لنفي الحال؛ لأن الوحي إليه ماض ولا يصح أن يريد ما أوحي إليه به في المستقبل؛ لأنه قد أوحي إليه بعد بتحريم أمر آخر ليست في هذه الآية، قالوا: وأخذوا من الآيتين مطلبين:
أحدهما: أن الأشياء على الإباحة بدليل استثناء ما استثنى منها، والقاعدة أنه إنما يخرج القليل من الكثير ولا يخرج الكثير من القليل، وأجيب بأنه قيل بأنها للحصر، وذكرت المحرمات فكونه استثنى منها حالة الاضطرار.
الأمر الثاني: الآية دالة على أن أحكامه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كلها مسندة إلى الوحي لَا إلى الاجتهاد بوجه، وأجيب بأن الاجتهاد مستند أصله إلى الوحي.


الصفحة التالية
Icon