إما غاية للتكذيب، أو غاية للاحتمال على إضمار فأهملناهم حتى ذاقوا بأسنا.
قوله تعالى: ﴿فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)﴾
ابن عرفة: أقل الجمع هنا إثباتا لآية جاءت تعجيزا لهم، وتعجيزهم بأن يطلب منهم الإتيان بشاهدين يعجزون عنهما أبلغ مما طلب منهم الإتيان بأكثر من الشاهدين فعجزوا عن ذلك.
قيل له: إنما جمع الشهداء لتعدد أنواع المحرمات فلهم على كل محرم شاهدان، فقال: قد قال الزمخشري: فإِن قلت: لم أضاف الشهداء إليهم، ولم يقل: شهداءه بالإطلاق؟ فأجاب بأن المراد شهداؤكم المتعصبون لكم الذين هم من جهتكم، فرده ابن عرفة: بأنه لَا يلزم من عجزهم عن الشهداء المتعصبين لهم عجزهم عن الشهداء بالإطلاق.
قيل له: يلزم ذلك من باب أحرى، فقال: إنما عادتهم يجيبون بأن المراد شهدائكم الذين تنفعكم شهادتهم، بخلاف ما لو قال: هم شهداء بالإطلاق؛ فإِن حرص الإنسان على طلب الشهادة لمن تنفعه شهادته أقوى من حرصه على شهادته لمن لَا تنفعه شهادته، من قوله (الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا... (١٥٠).. فقال: إما المراد الإتيان بلفظ خبر يفيد ذلك المعنى، قال: والآية دلت على تعجيزهم بالدليل العقلي وبالدليل السمعي وإمَّا بالشهادة أو بالخبر كلاهما كما في قوله: (هَلْ عِنْدَكُم مِنْ عِلْمٍ) راجع للدليل العقلي.
وقوله (هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ) راجع للدليل السمعي على قسمين منه ما يستند للشهادة، ومنه ما يستند بخبر الواحد، فلم عجزوا بعلم الإتيان بالشهادة مع أنه أجدر من الإتيان بالخبر، ونفي الأخص لَا يستلزم نفي الأعم، والجواب أن هذا في مقام الخصومة بينه وبينهم، ومقام الخصومة إما طلب فيه الشهادة لَا الخبر، قيل له: وأيضا فمتعلق الخبر عام، ومتعلق الشهادة خاص فهذه شهادة تقوية، ومعناها الخبر الاصطلاحي لعموم متعلقها؛ لأنه تحريم عام في جميعهم، فقال: وكذلك إذا شهد على شخص أنه قال: كل مملوك أملكه حر فهو عام، فكذلك هلا قيل لهم: من يشهد لكم على الله على أنه حرم ذلك عليكم.
قال: قلت: لم قال: (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ)، فهلا قيل: فإن شهدوا فلا تقبل شهادتهم؛ لأنه نفي الشهادة معهم لَا يستلزم نفي قبولها، والجواب في عدم قبول الشهادة لأحد أمرين: