وقال في الجملة: (فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُم)، فغير لفظ الفعل مع ذكر علة هذا الحكم.
قال ابن عرفة: وجوابه أن المراد حصول الكلام الثابت اللازم؛ والمراد في الآخر حصول مطلق الخسران فيتناول العاصي والكافر وهي في سورة قد أفلح (فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُم فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) فقال: تلك فيها قرينة أخرجت العاصي من اللفظ، وهنا نقول إنه داخل، قال: وإنما علل حصول الخسران لهم بالظلم ولم يعلل حصول الفلاح للآخرين بالطاعة إشارة إلى أن الثواب على الطاعة محض تفضل من الله عز وجل وحساب الآخرين وخسرانهم معلل بظلمهم إشارة إلى أن ذلك عدل من الله تعالى لأجل كسبهم السيئات.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ... (١٠)﴾
قال ابن عرفة: فائدة التقسيم تكون المخاطبين ظهرت عليهم مخائل الإنكار لأجل تماديهم على المعاصي وعدم تذكرهم واتعاظهم، وفيها سؤال وهو أن التمكين في الأرض أخص من وجود المعايش بأمة لكل أحد إذ لَا يستغني أحد عن القوت، والتمكين أخص مزيد في الأمراء والسلاطين، والامتنان الأهم أقوى وأعم فائدة فهلا قدم عليه، وأيضا فلأن المعايش أمر حاجي والتمكين في الأرض أمر تكميلي، فالأمر الحاجي أعم على التقوي من الأمر التكميلي، فالامتنان به أعظم منه، وأجيب بأنه قدم لأحد أمرين:
أحدهما: أنه يدل على المعايش دلالتين باللزوم والمطابقة، وقد تقدم نظيره غير ما مرة في عطف الأعم على الأخص بخلاف الخاص على العام والعكس فيهما (فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ).
الثاني: التمكين في الأرض لما كان خاصا بالبعض دون الكل وكانت المعايش أئمة صار نسبتها إليه نسبة الجزء إلى الكل والجزء قبل الكل فكذلك بدأ به في الآية.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ... (١١)﴾
الخلق راجع للقدرة والتصوير للإرادة وهي الكيفية الخاصة.
(ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ).
احتجوا به على أن إبليس من الملائكة.


الصفحة التالية
Icon