أنه أظلم منِ غيره على سبيل العموم فيكون مخصوصا، بقوله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ).
قال ابن عرفة: وكان بعضهم يرد على الجاحظ بهذه الآية، في قوله: إن الكذب إنما يطلق على من تعمده؛ فدلت الآية على أن من أخبر بالشيء على خلاف ما هو عليه ناسيا فهو كذب، وإن كان عامدا فهو افتراء وأجيب بالفرق بين مطلق الكذب وافتراء الكذب؛ وهو أن من أخبر بمجيء زيد وهو معتقد أنه لم يجئ وصادف في نفس الأمر أنه جاء فليس مفتر بالكذب ولا يسمى كاذبا بوجه؛ كمن حلف عليه بالطلاق أنه قد جاء معتقدا أنه لم يجئ وقد صادف أنه جاء.
قوله تعالى: (أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ).
يحتمل أن يرجع إليهم بمعنى أنهم تارة يقولون على الله ما لم يقله، فيقولون: حرم علينا السائبة والوصيلة والحام، وتارة ينسبون إليه ما هو منزه عنه؛ كجعلهم له شريكا، ونسبتهم إليه الولد؛ فهذا افتراء الكذب، ذكره الفخر.
وتارة يكذبون بالآيات والمعجزات الظاهرة على يد رسوله وهذا تكذيب، ويحتملِ أن تكون الآية خرجت مخرج الإنصاف، كقوله تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) فالمعنى: قل لهم يا محمد إن كنت أنا مفتريا على الله فلا أَظلم مني، وإن كنت صادقا وأنتم تكذبون بي فلا أظلم.
قوله تعالى: (أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ).
قالوا: المراد بذلك الأصنام.
ابن عرفة: وكان بعضهم يقول: يحتمل أن يريد به كل ما يشتمل عن الطاعات من الشهوات والأمور الدنيوية، كما قال تعالى (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا).
وقال تعالى (وَضَلَّ عَنْهُم مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ).
إشارة إلى أن أعمالهم الدنيوية تذهب عنهم فلا يجدون لها أثرا بخلاف الأعمال الصالحة.
قوله تعالى: (وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِم).
إن أريد شهادة بعضهم على بعض فهذه شهادة حقيقية، وإن أريد واحد منهم يشهد على نفسه فهو إقرار وليس بشهادة لاستلزامه العقوبة.


الصفحة التالية
Icon