فرقه، ولا يثبت المدح إلا على أخص الوصف تخصيصا على الاتصاف، قلت: وأورد ابن عرفة: قبل هذا سؤالين:
أحدهما: هذا وأجاب عنه بأن الخبر نص على أن الفعل إنما يطلق على من تناوله الفعل طبعا وغريزة، فمساواة الاسم بهذا الاعتبار في معناه لمعنى الخبيث.
السؤال الثاني: أتى في الثاني بأداة الحصر دون الأول، وأجاب بأن الحصر راجع إما للمشبه أو المشبه به. فإِن الأرض الخبيثة قد تنبت الطيب قليلا؛ فالمراد للمشبه مما لا تنبت إلا خبيثا بالكفر نوع واحد كله مذموم، ولما كان المسلمون نوعين: منهم من أسلم أولا ولم يعاند؛ كأبي بكر، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - والإسلام يجبُّ ما قبله، ومنهم بعد ما أذى النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وعاند وكفر، فلم يؤت فيه بالحصر ليعم اللفظ هذين؛ بخلاف الكفر فإِنه نوع واحد كله مذموم، والخبيث في النبات له حالات زمن خروجه، وزمن تمامه، وزمن يبسه؛ فلو قيل: يخرج لكثر التوهم أنه إذا صار إلى حالة التمام يحسن حاله؛ فأتى بالحصر تنبيها على أنه يخرج خروجا لَا يعقبه حسن.
قوله تعالى: ﴿فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ... (٥٩)﴾.. ، وفي آية أخرى (فَقَالَ يَا قَوْمِ) محذوف الياء.
قوله تعالى: ﴿يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ... (٦١)﴾
قال ابن عرفة: ابتدأ بلفظة (يَا قَوْمِ) على سبيل الترحم عليهم والتلطف في العبارة استجلابا لهم.
قال الزمخشري: فإِن قلت: قال: (لَيسَ بِي ضَلالَة) فأفرد، ولم يقل: ليس بي ضلال، كما قال تعالى (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).
قال: قلت: الضلالة أخص من الضلال، كما لو قيل: لك تمر فتقول ما لي تمرة.
ورده ابن عرفة بأن نفي الأخص لَا يستلزم نفي الأعم إلا أن يكون تجوز في الأخص وأراد به التعليل القليل، ويرد عليه المثال الذي ذكره.
قوله تعالى: (وَلَكِنِّي رَسُولٌ).
قيل: إن ما بعد لكن هنا مخالف لما قبلها لأن ما قبلها منفي وما بعدها مثبت، ومتعلق النفي غير متعلق الإثبات، وقيل: موافق؛ لأن نفي الضلالة يستلزم ثبوت