قوله تعالى: ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩)﴾
قال ابن عرفة: يحتمل أن يهدون غيرهم وبه يعدلون في القسم أو العكس، أو يرجع الأول للأمور الاعتقادية، والثاني للأعمال؛ فيحتمل أن يكون من العدل، أو من العدول، قال: الذين هم بربهم يعدلون، ولذلك كان رجل دلال في سوق الكتبيين يسمى عدلان، وكان ابن عبد السلام يمزح معه: أنت عدلك عن الحق إلى الباطل أو العكس، وإما لأن الحق يصدق على ما في الاعتقاد، وإن كان في نفس الأمر، قال: وعادتهم يوردون سؤالا مذكورا في نفس الائتلاف وهو لم قال (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ). وهلا قال: من أمة موسى قوم، فإن الأمة أكثر من القوم والقوم أقل، وعادتهم يجيبون بأن [لفظ الأمة يشعر بالاجتماع*] واتحاد الكلمة أكثر مما يشعر به لفظ قوم، ولذلك يجمع على أمم، ولذلك قال: "ستفترق هذه الأمة على اثنتين وسبعين فرقة"؛ والافتراق دليل على ما تقدم الاجتماع.
قوله تعالى: ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ... (١٦٠)﴾
قال: معطوف على محذوف؛ أي: فضرب فانبجست قيل له: قال ابن عصفور إن المحذوف ضرب والفاء المتصلة بـ انبجست، وأما الفاء الملفوظ بها فهي داخلة على ضرب مقدر بين الفاء وبين انبجست، فقال: ليتأتى له ما يعطفه عليه مثل (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)..
قال الزمخشري: فإن قلت: ما فائدة هذا الحذف؟ فأجاب: بأنه إشعار بسرعة الانبجاس بنفس الأمر حتى كأنه سابق على الضرب، قال ابن عرفة: ويذكر فيه جوابا آخر لبعض المتقدمين؛ وهو أنه مشبهة على إسناد الكائنات إلى الله تعالى، وأن الضرب إنما هو سبب عادي، والانبجاس عنده لَا به.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ... (١٦١)﴾
قال ابن عطية: العامل في إذ فعل مقدر تقديره: واذكر إذا قيل لهم، قال ابن عرفة: فعلى هذا يكون إذ مفعولا به، والصواب أن يقدر أن يكون ظرفا، لأن وقت القول لهم متقدم الأمر والسكن، قال: وقد ذكر الوجهان في غير ما وضع إذ هي منصرفة، فالجواب أن يقدر بها فعل يعمل فيها على أنها ظرف تقديره: أنعمنا عليهم، إذ قيل لهم: اسكنوا، قال: والدخول أعم من السكن فهو من التعبير بالأعم مطلقا، أو بالأعم من وجه دون وجه فيستلزم الأخص، وعبر في البقرة بالدخول، لقوله: (رَغَدًا) والرغد يستلزم دوام الإقامة؛ واستغنى عنها بلفظ اسكنوا.


الصفحة التالية
Icon