أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) فأسنده إلى الفؤاد، فإما أن يقول أن الفؤاد يجمع أعم الجميع، أو المراد به القلب، أو المراد هنا بالقلب باطنه وهناك ظاهره وباطنه، فكذلك عبر عنه بالفؤاد، وقال تعالى فى آخر سورة النور (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) قال ابن عرفة: فعادتهم يوردون فيها سؤالين؛ الأول: كيف الجمع بينها وبين هذه الآية؟، وهل هما متساويتان أم لَا في والجواب: أن المراد: إنما المؤمنون الكاملون الإيمان، ووصف الكمال يحتمل تناوبهما فيه ويحتمل التفاوت.
السؤال الثاني: لم خص الإيمان هنا بمن اتصف بالوجل؛ ولم يقل: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله؟ قال: وعادتهم يجيبون بأن الوصف المجرد هنا معنى راجع للقلوب وهو أمر باطن فلذلك أسنده إلى الوجل، والوصف هنا ظاهر حسي؛ فلذلك علقه بالإيمان القولي الظاهر وهو النطق باللسان لأن ما بعده أمر ظاهر وهو الاستئذان.
قوله تعالى: (زَادَتْهُمْ إِيمَانًا).
ابن عرفة: الإيمان إن أريد به مجرد التصديق والاعتقاد القلبي؛ فهذا لا يزيد ولا ينقص، وإن أريد الإيمان باعتبار فعل العمل البدني فهذا يزيد وينقص، واختلفوا في تقرير زيادته فمنهم من جعله يزيد باعتبار المتعلقات مثل أن يكلف بشيء فيؤتى به، ثم يكلف بآخر فيؤتى به، ومنهم من جعله يزيد باعتبار كثرة الأعمال الصالحة، ومنهم من جعله يزيد بكثرة الأدلة وزيادة باعتبار الأدلة إنما تفعل عند من يجعل العلوم متفاوتة، وأما من يقول: إنها لَا تتفاوت فيمنع الزيادة، قال: والنقص فيه إنما يعقل باعتبار الأدلة وقلتها، وأما باعتبار المتعلقات فلا يعقل فيه النقص؛ لأن من لَا يؤمن ببعض التكاليف هو كافر؛ اللهم لو كان ذلك قبل البلوغ، فكلف بأمرين أمر بأخذهما دون الآخر فهذا يعقل.
قوله تعالى: (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
عبر هنا بلفظ الرب المقتضي للرحمة والحنان والشفقة، وعبر في الأول، بقوله (إذَا ذُكِرَ اللَّهُ) لما عقبه بالخوف والوجل، فإن قلت: لم قال (وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) و (زَادَتْهُمْ إِيمَانًا) فعبر فيهما بلفظ الماضي، وقال (يتوَكلُونَ) فعبر بالمستقبل؟ قلنا: الماضي يقتضي التحقيق والحصول؛ فناسب الأولين؛ لأنه أبلغ في المدح إشارة إلى سرعة الحصول، وعبر في الثالث بالمستقبل إشارة إلى التجرد والتصوير، كقوله


الصفحة التالية
Icon