قال ابن عرفة: واستدل الأصوليون بهذه الآية على أن الإجماع حجة.
قوله تعالى: ﴿فَذُوقُوهُ... (١٤)﴾
إذا كان هذا ذواقا فما بالك بما فوقه من العذاب، والدليل على ذلك قوله تعالى: (وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ).
قوله تعالى: ﴿فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥)﴾
ولم يقل: أدباركم إشارة إلى أن الإنسان كلف بفعل نفسه وبفعل غيره فهو أبلغ؛ لأنه إذا ولى هو دبره كان ذلك سببا لتولي غيره، فصح نفيه عن فعل غيره بهذا المعنى، فينبغي له إذا رأى غيره ولى دبره أن لَا يولى هو بل يقف ويقاتل ويناضل عمن ولى دبره ليرجع ويقاتل، فما حكاه ابن عطية هنا لَا يناسب، وغزوة القادسية وغزوة مؤتة إنما ولوا فيها لقلة النَّاس حينئذ، ولم يكن لهم قدرة على المقاتلة فلهم عذر حينئذ، وإذا ولَّى أحد متحيزا إلى فئة مقاتلة لَا شيء عليه، وإن ولى إلى فئة واقفة غير مقاتلة فهو [مذموم*].
قوله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى... (١٧)﴾
قال ابن عرفة: عادتهم يقولون لأي شيء لم يقل فلم تقتلوهم إذ قتلتموهم ولكن الله قتلهم، كما قال (وَمَا رَمَيتَ إِذْ رَمَيتَ) قال: والجواب أنه إنما خصص الثاني تشريفا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في إسناد الرمي إليه، وأما القتل هنا فهو مستتر لغيره، قال: ونظير إسناد الفعل لغير الله تعالى أن القاضي إذا رأى رجلا قتل آخر بأن استحضر مقام التوحيد لم يوجب عليه قصاصا؛ لأن الأشياء كلها بخلق الله وقدرته، وإن استحضر مقام التكليف واعتبر الأسباب العادية أوجب عليه القصاص أو الدية، قال: ومعنى الآية وما رميت الرمي المؤثر إذ رميت الرمي العادي ولكن الله رمى الرمي المؤثر، وإن لم يفهم كذلك لزم التناقض لتوارد النفي والإثبات على شيء واحد في حالة واحدة.
قوله تعالى: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ... (١٩)﴾
ابن عرفة: الصواب في الآية أنها خطاب للكافرين.
قال الزمخشري: على سبيل التهكم بهم، أي إن تطلبوا الفتح فقد جاءكم ما طلبتم؛ لأنهم دعوا الله؛ فقالوا: إن كان محمد على الحق فانصره وإن كنا على حق فانصرنا.


الصفحة التالية
Icon