قال ابن عرفة: لأن الآية تكون على وتيرة واحدة؛ أي: وإن تنتهوا عما أنتم عليه، وعلى التأويل الآخر وهو أنها خطاب للمؤمنين يختلف التقدير؛ فيكون المراد: إن تطلبوا الحكم بينكم وبين الكفار فقد جاءكم الفتح، وإن تنتهوا عن المشاجرة والمخاصمة في أمر الغنائم فهو خير لكم، فمتعلق الفعل الثاني على هذا غير متعلق الفعل الأول ويؤيده أيضا قوله (وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ).
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ... (٢٠)﴾
دليل على أن الإيمان غير الطاعة.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (٢١)﴾
الظاهر أيضا في المنافقين، ويحتمل أن يراد بها اليهود؛ لقوله تعالى: (قَالُوا سَمِعنَا وَعَصَينَا) والمراد السماع النافع.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (٢٢)﴾
هذه الآية رد بها ابن هشام على كون الخبر أعم من المبتدأ؛ لأن الصم البكم أخص من شر الدواب على الصم البكم العمي، وعلى البكم العمي.
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)﴾
إن قلت: من شرط المقدمين في علم المنطق أن يصدقا في النتيجة وهي هنا كاذبة؛ لأنها تنتج: لو علم الله فيهم خيرا لتولوا وهم معرضون، قال ابن عرفة: والجواب بأن القياس عند الأصوليين على ثلاثة أقسام: افتراضي، وشرطي، واستثنائي، مثل الاستثنائي: لو كان هذا إنسانا حيوانا لكنه ليس بحيوان فليس إنسانا، أو لكنه حيوان فهو إنسان؛ لأنه ينتج نقيض المقدم أو عينه وهو في الآية قياس اقتراني أن سور الكبرى فيه إن كان كليا أنتج، وإن كان مهملا لم ينتج مثال الأول لو كان هذا إنسانا لكان حيوانا، وكلما كان حيوانا كان جسما ينتج كلما كان إنسانا جسما، والمهمل هل هو مثل هذه الآية؛ لأن المهمل في قوة الجزية فلا ينتج فلا يرد علينا ما أورده فيها، قلت: وأجاب ابن عرفة وغيره: بأن الإسماع مختلف، فالإسماع الأول: بمعنى الإجابة، والثاني: بمعنى إفهام القول المأخوذ من السماع، وأيضا فشرط إنتاج الشكل الثاني في المنطق قول المقدمة الثالثة كلية، وأما إن كانت جزئية فلا يجتمعان.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ... (٢٤)﴾


الصفحة التالية
Icon