الفريقين في عين صاحبه دون الآخر موجب لهروب الفريق القليل من الكثير فلا يقع الاجتماع للحرب بوجه، وإنما جاء التناقض من جعل القليل موجب للغلبة؛ بل هو موجب للاجتماع الموجب للغلبة، قال: وعبر في الأول بالاسم وهو قوله تعالى: (فِي أَعْيُنِكُم قَلِيلًا) وقال في الثاني (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) فعبر عن تقليل المسلمين بالفعل، [وهنا*] إشارة أن تقليل [الكفار*] مستمر ثابت ليدوموا على القتال، ولا يدركهم هلع ولا قتل، وتقليل المسلمين في أعين الكفار [إنما يكون في أول الأمر؛ فإِذا التقى الجمعان ونشأ الحرب فإهم يرونهم حينئذٍ كثيرين فينهزموا*] ويدركهم الرعب والخوف.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥)﴾
قال ابن عرفة: الذكر مأمور به مطلقا، وهذا المحل مخصوص بكثرته؛ لقوله (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لأن الطاعة مأمور بها مطلقا، ولا يؤخذ من الآية أن الأمر لا يقتضي التكرار، ولما احتيج إلى قوله (كَثِيرًا) لأن الكثرة أخص من مطلق التكرار.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ... (٤٦)﴾
قال ابن عرفة: جعل التنازع سبب في القتل، وقال قبلها: (وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) وتقدم الجواب بأن القتل أمر نفي جلي طبيعي وهو الخبر، والتنازع أمر فعلي ظاهر وهو المقابلة؛ فالفشل سبب في التنازع هنالك وأصابنا فالفشل ناشئ عن التنازع، وأنهم إما تنازعوا أو اختلفوا يقع الانهزام من طائفة منهم فيقع الفشل بالأخرى بقتلها.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ... (٤٨)﴾
ابن عرفة: التحسين هو حالة ذاتية توجب الميل إلى الشيء لذاته، والتزيين حالة عرضية توجب الميل إلى الشيء؛ لأن التزيين يزول والتحسين ثابت، تقول: أعجبني حسن الجارية وأعجبتني زينتها؛ فحسنها بإجمالها، وزينتها جمال ثيابها وحليها.
قوله تعالى: (وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ).


الصفحة التالية
Icon