قال: والجواب بأن ذلك بالنظر إلى الحال، وهذا بالنظر إلى الحال.
قوله تعالى: ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ... (٤٠)﴾
تكلم ابن عطية هنا في التوكل والمال، وحكى فيه عن والده وغيره كلاما كثيرا، وقال القاضي عياض في المدارك لما عرف بيحيى بن يحيى الليثي صاحب مالك: قال قوم ليحيى: يا أبا محمد، لو توكلنا على الله حق توكله لأتانا بالرزق إلى بيوتنا كما يأتي الطير، فقال: والله لما كان يأتي عيسى ابن مريم عليهما السلام البقل البري حيث هو جالس حتى يخرج إلى الصحراء يلتمسه.
وقيل ليحيى: إن من مضى كان يتمنى الفقر، فأنكر ذلك، وقال: لَا ينبغي لمن يعقل أن يتمنى ما تعوذ منه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: وكان يحيى يلبس الوشي الرفيع -يريد القطن- من المال العظيم في الأعياد والدخول على الأمراء، وانظر ما قيدت في سورة النساء في قوله تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) قال ابن عرفة: وفي الآية ثلاثة أسئلة، قال:
الأول: [إِذْ أَخْرَجَهُ*] بلفظ الماضي، (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ) بلفظ المستقبل مع أنه أيضا ماض؟ وجوابه أن الإخراج فعل الكفار فناسب فيه الانقطاع؛ فالقول من النبي ﷺ فناسب لفظ المضارع المقتضي الدوام لأنها حكاية حال ماضية.
الثاني: قال (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) ونصوا على أن المصيبة إن كانت ماضية التأسف عليها حزن، وإن كانت مستقبلة فالتفجع منها خوف، والتحسر في الآية إنما هو في أمر مستقبل متوقع لما ورد في الحديث عن أبي بكر، أنه قال: لو نظر أحدهم إلى قدميه، ولم يكن وقع شيء، فهلا قال له: لَا تخف إن الله معنا؟ قال: وجوابه أن هذا الكلام حالة الاستيلاء عليها والإحاطة بها؛ فمتعلق الحزن واقع، ولأنه إذا نهي عن التكليف على أمر واقع محقق فأحرى أن ينهي عن التقبيح من أمر مستقبل ممكن أن لا يقع، وأن لَا يقع فالنهي عن الحزن يستلزم النهي عن الخوف من باب أحرى، وأجاب بعضهم بأن الحزن متعلق بالغير، والخوف فيما يرجع للنفس، قال تعالى (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) وكان أبو بكر إنما حزن على النبي ﷺ لَا على نفسه.
السؤال الثالث: أن الأمثل تقدم العلة على المعلول، وقال هنا: لَا تحزن الله معنا فقدم المعلول عليه، وجوابه أن المخاطب هنا أبو بكر وهو مصدق لنبينا صلى الله عليه


الصفحة التالية
Icon