هذا تنبيه بالأدنى على الأعلى؛ لأنهم إذا تضرعوا إليه مع استحضارهم رحمته ورأفته عليهم فأحرى مع استحضارهم قهره وعذابه، قيل لابن عرفة: ذكر في فريق الكافرين لازم الجزاء، وذكر هنا نفس الجزاء، فقال في الأول (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ولم يقل (أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ)، ولم يقل في الثاني (أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فأجيب بوجهين:
الأول: أن في الآية حذف المقابل؛ أي وهم أصحاب النار، وفي الثاني (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وهم المفلحون.
الثاني: أن مقام التخويف يكتفى فيه.
قوله تعالى: ﴿وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ... (٣٤)﴾
احتج هنا المقترح لأهل السنة في أن الله تعالى يخلق الخير والشر ويريدهما، وأجيب بما قال ابن الأثير من أن ملازمة الشيء للشيء لَا تدل على وقوعه ولا على إمكان وقوعه حسبما تقدم في قوله تعالى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا)، وتقدم الرد عليه بأن سياق الآية يدل على ذلك لأنها سيقت للمدح؛ وذلك دليل على الوقوع ولذلك هذه سيقت للذم فتدل على الوقوع، وأجاب بعض الطلبة بأن الشرط الثاني جواب للشرط الأول، والتقدير إن كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم، ونصحه وعدم نصحه واقع فوقوع الجواب يدل على وقوع الشرط، ورد ابن عرفة بأن الشرط ملزوم وجوابه لازم، ولا يلزم من وقوع اللازم وقوع ملزومه بوجه؛ بل يقع وقد لَا يقع.
قوله تعالى: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا... (٣٧)﴾
جمع الأعين، وقال في طه (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَينِي) فأفرد الجواب أن الفلك هنا حفظ لنوح ولقومه، فلذلك جمع الأعين والحفظ في طه لموسى فقط.
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا... (٤١)﴾
الضمير عائد على نوح أو على الله وما قبله يدل على أنه لله تعالى، لقوله (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا) ويكون التفاتا بالخروج من التكلم إلى الغيبة، وما بعده يدل على أنه لنوح لقوله (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)، فإن قلت: المناسب هنا وصف القهر والغلبة، قلنا: وصف الرحمة أنسب لأنه نسب نوحا إلى عمل السفينة لينجو فيها هو وقومه.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (٤٢)﴾