أورد الزمخشري هنا أن الجزاء متأخر عن الشرط مع أن التولي متقدم في الآية على التبليغ، وأجاب بأن المراد: فإن تولوا فلا حرج لأني قد أبلغتكم، قال ابن عرفة: وعادتهم يجيبون بوجهين:
الأول: أن ذلك إنما هو في الأمر البسيط والتبليغ مركب [فالتبليغ*] متقدم على التولي أو بعده؛ فإن قلتم: إنه [منفي*] قبله فلا فائدة لنفيه بعده، وإن قلتم: إنه مثبت قبل التولي خالفتم الإجماع إذ هو منفي عنه بالإجماع فلا يزال السؤال واردا.
قوله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩)﴾
قال ابن عرفة: دخلت كل على جبار، ولم يقل: اتبعوا كل أمر جبار عنيد، هذا هو الصواب؛ لأن المراد أنهم اتبعوه فيما فيه مخالفة للشرع فلم يتبعوا كل أمره.
قوله تعالى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا... (٦١)﴾
ثم قال (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) عطف استغفروه بالفاء، والتوبة بـ ثم؛ لأن الاستغفار طلب ودعاء، والطلب لما يحتاج فيه الإنسان إلى تردد لَا إلى تأمل، والتوبة فعل، والفعل لَا يقدم عليه الإنسان إلا بعد تأمل وتدبر.
قوله تعالى: (إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ).
ابن عرفة: إن قلت كان الأصل أن يقول: أرأيتم إن كنت على بينة من ربي فيستحيل رجوعي عنها لأن من فهم المقدمتين والنتيجة حصل له علم ضروري بمعلوم يستحيل زواله عقلا، فالجواب أن الدليل البرهاني لَا يجادل به العوام؛ فأتاهم بما يفهمونه وهو الدليل الخطابي.
قوله تعالى: ﴿أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا... (٦٢)﴾
أخذوا منها أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، قال: لأنه قال لهم: اعبدوا الله، فأجابوه بأنه نهاهم عن عبادة غيره إنكارا عليه، وأجيب بأن النهي راجع لقوله (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ).
قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي... (٦٣)﴾
هذا الخطاب على سبيل التلطف؛ لأنه لو قال لهم: إنك على بينة من ربي لعائد وإن لم يرجعوا لقوله، وخاطبهم بـ[إن*] المقتضية للشك؛ لأنهم خاطبوه أيضا مخاطبة الشاك من ثلاثة أوجه: