قوله تعالى: ﴿أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (٦٦)﴾
(أَن) نظرت إلى الجملة في نفسها وإنها جملية فهي بدل؛ لأن القتل أشد من الخروج من الديار، وإن نظرت إلى جوابها فهي ترق؛ لأن مفسدة العصيان بعدم امتثال الأمر بالخروج من الديار أشد من مفسدة العصيان بعدم امتثال الأمر بقتل النفس.
قال ابن عرفة: واوها للترديد لَا للتفصيل؛ لأن التي للتفصيل شرطها أن يتقدمها كلام مجمل تفصله مثل: (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا) فنسب القوم الجميع ثم فصله بأن بعضهم قالوا: (كونُوا هُودًا) وهم اليهود والبعض وهم النصارى، قالوا: كونوا نصارى، وهنا كتب الجميع أحد الأمرين.
قوله تعالى: (مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ).
الضمير عائد على المذكور أي ما فعلوا المذكور، وهو المكتوب ولا يصح عوده على أحد الشيئين؛ لأنه إذا كان الثابت أحد الشيئين فلا يصح رفع ذلك الثبوت إلا بنفي الشيئين معا كما قالوا: إن الموجبة الجزئية تناقضها السالبة الكلية.
قوله تعالى: (مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ).
لا يصح إلا أن يكون (إِلا) بمعنى لَا غير؛ لأن الضمير لَا يوصف ولا يوصف به فهو مثل قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) فإن قلت: ما فائدته أيضا في قراءة رفع قليل، وفي قراءة نصبه، فما الفرق بينهما؟ في القراءة بحث فيها أبو حيان وأطال، والصواب أنها صفة لقوله (قَليل) فيحتاج إليها في قراءة الرفع، والمراد ما فعلموه إلا ناس قليلون موصوفون بكونهم منهم، إلا أن يجاب: بأن الفعل يكون قليلا في ذاته ويكون قليلا باعتبار فاعليه، فإما أن يكون الكل فعلوه من فعلا قليلا، أو فعله البعض واستوفوه ونسب القلة إليه لقلة فاعليه، قال أبو حيان: وقراءة النصب مخالفة لقراءة الرفع.
قال ابن عرفة: إن أراد أنها مخالفة فليس كذلك؛ لأن معنى النصب أنهم فعلوه فعلا قليلا، فهل المراد أنهم الكل فعلوه فعلا قليلا، وأن القليل منهم فعلوه الفعل بالعلة لقلة فاعليه فترجع إلى قراءة الرفع بالمعنى، وإن أريد بها مغايرة لها فمسلم وفي [... ]
قوله تعالى: ﴿وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (٦٧)﴾


الصفحة التالية
Icon