قال ابن عرفة: قالوا: إذا جواب وجزاء، وحكوا إن الجواب لازم لها وقد يجاء معه بـ قد ولا، ومثلوا كونها جزاء فقط بقوله تعالى: (قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ). لأن النعمة لَا تجازى بالضلال، ابن عرفة: ويحتمل أن يراد بالقتل القتل مجازا، أما الضلال قال: وقد تكون عندي جزاء فقط من غير جواب، ومثاله قوله تعالى: (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا).
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ... (٧١)﴾
ابن عرفة: كان بعضهم يقول: يؤخذ منها أنه ينبغي لكل من يريد أمرا أن يستحضر عواقبه وغوائله وما ينويه فيستعد لها قال: وإنما خذوا الحذر؛ لأن الحذر مختلف فكل واحد يأخذ حذرا يلائمه فهو بحسب الأمر المحذور منه [فلا يسافر*] مع جماعة قليلة والخطاب للمؤمنين من الصحابة بالمواجهة ولمن بعدهم، إما بقياس لَا فارق وإما بأنه خطاب للجميع، قال ابن العربي: وهذه الآية مخصوصة بقوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ)، فإن قلت: لم أعاد الفعل، وهلا قال: (انفِرُوا جَمِيعًا)، فالجواب: إن النفور مختلف بالجماعة المجتمعون الكثيرون يقل خوفهم، والجماعة المفترقون يعظم خوفهم والحرس هنا أشد، فلذلك أعاد الفعل قال: وتقدم الخلاف في المنافقين هل هم مخاطبون بفروع الشريعة أم لَا؟ والتحقيق أنهم مخاطبون بالفروع، فالمخاطبون ظاهرا وباطنا وإلا فهم مخاطبون فقط.
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ... (٧٢)﴾.. التوكيد بإن؛ لأن هذا الفعل مما اتصف بالإيمان مستبعدا لوقوع فهو غريب عند المخاطب، قوله تعالى: (لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ)، ابن عرفة: فعل القسم إذا وقع في الصلة فالعائد إن كان ضمير الله لم يجز، فإن قدرته لمن أقسم بالله ليبطئن صح ذلك وإن قدرته لمن أقسم بالله ليبطئن لم يصح؛ لأن جملة القسم خلت من الضمير العائد على الموصول.
قوله تعالى: ﴿كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ... (٧٣)﴾.. ابن عرفة: هذه عندي متصلة بالأولىِ وكذلك كان بعضهم يقول تقديره (فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا) (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ)، قال: وإنما أخره؛ لأن الشيء قد يؤتى به في غير موضعه لكونه أغفل في موضعه، ثم استدرك في غير موضعه تعظيما له واعتناء بذكره حتى كأنه لم يغفل بوجه.