قال صاحب "المرشد": أن وقف عند قوله (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ)، ثم يبتدئ (وَهَمَّ بِهَا)، ليفرق بين ما كان منها وما كان منه، كان صالحا ليعلمَ أن المرأة همت على صفة، ويوسف على صفة أخرى.
وقال بعضهم: معناه اشتهته، واشتهاها، لأن الشهوة قد تجري مجرى الهم في سعة اللغة، واحتج بقولهم هذا أهم الأشياء إلي، أي أشهاها، وهذا أحسن الوجوه، قال صاحب "الفرائد": لولا مقدم بالطبع على الجواب؛ لأنه هو الذي يوجب الجواب، والموجب مقدم بالطبع على الموجب بالضرورة؛ فتقديمه عليه إخراج له من الأصل، والإخراج من الأصل لَا يجوز إلا لموجب راجح على ما يوجب الإبقاء على الأصل، وهو كونه أنهم بالذكر منه، ولما كان الاهتمام بذكره بعد لولا؛ لأنه هو الذي يقتضي ذكره ويوجبه، لم يوجد الموجب الراجح لتقديمه فوجب تأخيره عملا بالموجب السالم عن المعارض، هذا اختيار الإمام في تفسيره.
وأورد الزمخشري سؤالا، الطيبي حاصله لم علقت أولا بالجملة الثانية، ولم يعلق بالجملتين معاً؛ لأن الهم لَا يتعلق بالذوات، وإنما يتعلق بالمعاني كالمخالطة والمعانقة والملامسة والمباشرة ونحوها، وهذا المعنى فما لَا يحصل إلا من الجانبين، فينتزع من مجموع قوله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) بها معنى المخالطة ثم يقيدهم يوسف، وقال الآخرون أنها معلومة بالسياق، فالسياق يبين المحرم وهو نكاحهن واختلفوا هل كان حينئذ نبيا أو لَا؟ فعلى تقدير كونه نبيا لَا يجوز صدور هذا منه لأنه نبي معصوم فلابد من تأويله، وأحسن التأويلات ما قاله الزمخشري وهو إما حضور ذلك بالبال أو مروره به كمن رأى البرق الخاطف ثم يذهل عنه يريد في الحال، وإما أن هم بمعنى قارب الفعل ولم يخطر بباله شيء، وقال ابن عطية: إن هذا من الصغائر المستهلة، ابن عرفة، وهذا خطأ لأنهم أجمعوا أن الأشياء المباحة في حق الأنبياء أن ذكرت على معنى النقيض، قيل: قابلها وإن ذكرت على معنى التسلية أدب قائلها وهذا كمن يقول إنه ﷺ رعى الغنم، وقال الفخر: [وَهَمَّ بِهَا] أي وهم بطريقها وبمدافعتها بالأمر الخفي، أو بما لَا يصح توجب فيه [ضعفا*]، لأنه لَا يجوز أن يقول هممت بقتل زيد، وهم هؤلاء وأنت تريد وهمَّ هو بقتلي، قال: أردت وهم هو بالعفو عني لم يجز حذف ذلك، وقال [ابن زيتون*]: وهم بها أي [... ].
ابن عرفة: [وهذا*] كله لَا يصح منه شيء، وأطنب الزمخشري هنا في الرد على الحشوية وغيرهم لأنه [معتزلي*] ومن قواعدهم التحسين والتقبيح فصدور الصغائر من النبي قبيح عندهم عقلا، وعندنا جائز عقلا لَا شرعا؛ لأن الشرع أخبر بعدم وقوع ذلك


الصفحة التالية
Icon