قوله تعالى: (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ).
ولم يقل: [سيدهما*] لوجهين، أحدهما: أنه لو قال كذلك للزم منه استعمال اللفظ المشترك في مفهومه معا أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه لأنه مجاز في الزوجة، فإِن قلت: البادئ بالمسابقة إنما هو يوسف فلم قال استبقا وهي إنما خرجت تتبعه؟ فالجواب: أنه إشارة إلى أنها سبقته بالجري لترده وتعارضه وقد قميصه، قيل: كان [طُولًا*]، وقيل: كان عرضا، والمناسب قوله [طُولًا*] لأنه إن كان عرضا فيحتمل أن يكون [يقطع بجره هو فيتعثر فيه*].
قوله تعالى: (قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا).
قال الزمخشري: أتت باللفظ العام وهو أبلغ من الخاص، ابن عرفة: بل الخاص أبلغ لأن العام يقبل التخصيص فقد تكون تلك الصورة المفهومة من العام فخرجه مخصصة غير مرادة بدلالة قولك أكرم زيد العالم، فالدلالة على إكرامه أقوى لأنه قولك أكرم العلماء على إكرام زيد، وقولها: (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ) هو مغالطة منها لأن المنازع قد يستدل [بمقدمتين*] وتكون الصغرى منها ضعيفة [حيث إذا ذكرها يتأملها خصمه*] أو يبطلها، فيترك ذكرها حكما لَا على فهم السامع وكذلك فعلت هي لأن الأمثل أن يقول يوسف أراد بأهلك سوءا ولو قالت كذلك لوقعت ريبة في كذبها.
قال تعالى: (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦).. إن قلت: فهلا قال [لم أردها بسوء، فيجد من كلامها مطابقة*]، فالجواب بوجهين الأول: قال ابن عرفة: لما ظهرت عليه مخائل تهمته بأحد أمرين إما أنها بدأته بالسوء ووافقها أو العكس فتوهم بدايته هو لها [... ] مما رآه منها وخروجه قبلها فلم يبق إلا توهم موافقته لها أن كانت هي البادئة فلذلك: (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) الثانية: قال بعض الطلبة إنه تقدم في قوله: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا) أن ذلك مر بفكره كمرور البرق الخاطف، فلو قال: لم أراودها بسوء لوقع في الكذب المستحيل على الأنبياء.
قوله تعالى: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا).
إن قلت: كيف [سُمِّيَ شاهدًا*] وأصل الشهادة أن يقول كان ذلك أو لم يكن، فأجاب ابن عرفة: إنه مجاز والمعنى وذكر إنسان قام يفصل عنهما كما يفصل الشاهد بشهادته بين الخصمين، فقال كذا وكذا.
قوله تعالى: ﴿فَصَدَقَتْ وَهُوَ... (٢٦)﴾