الأول: أن فعل المشبه أتى مضارعا باعتبار متعلقها وهو من فعل العبد وغير مطلوب لأن أصلها من الله فلم يحتج إلى طلب متعلقها والإناب من فعل العبد فجاء فعلها ماضيا إشارة إلى تأكيد طلبها حتى كأنها واقعة، الثاني: أن مشيئة الله دائما مستمرة وإنابة العبد متقطعة فهو إشارة إلى أن من أناب ليس على من آمن، بقاء إنابته واستمرارها في المستقبل إلا بهداية الله وتوفيقه، ابن عرفة: والآية عندي صريحة في مذهب أهل السنة لقوله (وَيَهْدِي إِلَيهِ) أي يخلق في قلبه الهداية ويرشده إليها. وأناب إشارة إلى ما له في ذلك من الكسب.
قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ... (٢٨)﴾
قال ابن عرفة: عادتهم يوردون عليه قوله تعالى: (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) لأن تلك الآية اقتضت أن ذكر الله موجب لخوفهم ووجلهم وهذه اقتضت إنه موجب لطمأنينة قلوبهم وزوال الخوف منها، قال: وكانوا يجيبون لوجهين: الأول: أنهم تذكرهم الله تعالى فحدث لهم خوف ووجل ثم تعقبه طمأنينة وسكون قلب كقوله:
وإني لتعروني لذكراك هِزّة... كما انتفض العصفور بلَّلَه القطر
والجواب الثاني: قال كان شيخنا القاضي ابن عبد السلام يحكى عن بعض نحاة الأندلس، أنه قال: قوله: (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ) بذكر الله مصدر مضاف للفاعل أنهم إذا أخبروا أن الله تعالى ذكرهم اطمئنان قلوبهم وسكت لأنهم يعملون أن ذلك رحمة منه بهم واعتناء بذكرهم وجاء قوله: (إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُم) على الأصل من حالهم لَا حالهم الخوف فإذا ذكر الله زاد وجلهم وخوفهم من عقابه وهذا جواب حسن.
قوله: (كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ... (٣٠).. ولم يقل: إلى أمة؛ إما لأنه أرسل إلى قوم نشأ فيهم، فإن قلت: رسالته عامة للعرب والعجم والقريب والبعيد؟ قلنا ابتداؤها كان من قريش وإما لكون إلى مختلف في دخول ما بعدها فيما قبلها وفي الظرفية والإحاطة فهي أدل على عموم رسالته.
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ... (٣١)﴾