فالجواب: أن نفي الأخص هنا يستلزم نفي الأعم لأنه قال لهم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) فكذبوه في هذه المقالة فإذا كذبوه فيها فهم لم يصدقوه في نبوته لأن النبي لَا يكذب.
قوله تعالى: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ).
هذا من كمال الاتصاف مثل (إِنَّا أَوْ إِيَّاكُم لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فمعنى الآية الله شهيد علي وعليكم فيعلم المحق من المبطل فيجازي كلا بفعله، وقوله (شَهِيدًا) من باب المبالغة، والمبالغة فيه إما [... ] متعلقة شهادته؛ لأنها عامة في كل أحد.
قال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)
والمبالغة في نفس الشهادة باعتبار استيفاء وجوهها وجميع شرائطها حتى لَا يشذ عنه من حال المشهود عليه في نفس الشهادة هي، قوله تعالى: (شَهِيدًا) يعم الدنيا والآخرة فالدنيا باعتبار ظهور المعجزات على يدي رسول الله ﷺ وهي تنزل منزلة قوله صدق عبدي فصار كالشهادة لأحد الخصمين بالصدق في دعواه باعتبار آي القرآن.
قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) وأما الآخرة فباعتبار مجازاته إياهم وعقابهم على تكذيبهم قوله: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) المصدر مضاف للمفعول أي ومن يعلم الكتاب والمراد بمن عنده إما الصحابة والكتاب القرآن أو الله تعالى واللوح المحفوظ، وقيل: المراد بها من أسلم من اليهود والنصارى كعبد الله بن سلام، والكتاب التوراة والإنجيل، قال ابن الخطيب: هذه السورة مكية وعبد الله بن سلام إنما أسلم بعد ذلك فكيف يقال إنه هو المراد بقوله: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) لأنه لَا يشهد حينئذ أو هو كافر، أجاب: باحتمال أن تكون هذه الآية خاصة منها مدنية وبالله تعالى التوفيق.
* * *