لما هو أعظم، قال أبو حيان: (وَتَحرِيرُ) مبتدأ، وخبره مقدم عليه أي فعليه تحرير رقبة، فرده ابن عرفة: بأن الدية ليست عليه إنما هي على من قتله، قال فينبغي لمن قدر هذا أن يقف على قوله: فتحرير رقبة ودية مسلمة، قال: والصواب أن يقدره، فالجواب: تحرير رقبة ودية مسلمة، قيل لابن عرفة وأجيب: في التحرير تحرير رقبة فقط، لأن في إعطائهم إعانة عليها، وفي المعاقد الرقبة والدية، قيل لابن عرفة: إن كان بعض العامل لم يحكم عليه، فهل يؤدي نصيبه من الدية من غير حكم أم لَا؟ فقال: أما في بلد القاضي أو نائبه فلا يؤدي شيئا حتى يحكم عليه به، وأما في غيره فإذا تحقق القتل رد نصيبه تطوعا، قيل له: ما فائدة قوله تعالى: (تَوبَةً مِنَ اللَّهِ) مع أنه خطأ وقد ورد: "رفع عن أمتي خطؤها ونسيانها" وأجاب بما قالوا: في قوله في المدونة في تارك الإقامة: إنه يستغفر الله فيستغفر الله تعالى مع أنها سنة، فقالوا: العمل استغفاره لما يكون قد أخل به من بعض الواجب، فعوقب عنه فإن تارك الإقامة حرم ثوابها فاستغفاره لذنب سابق لَا نفس الإقامة وكذلك هذا، فإن قلت: لم قدم أولا تحرير الرقبة على الدية، ثم أخره هاهنا، فالجواب: أن الأول مؤمن له فائدة ودية مؤمنين، والثاني كافر من قوم كفار يتوهم فيه سقوط الدية فلو أخرت لأدى إلى إهمالها، وعدم الوفاء بها لما حصل في النفوس من حقارة الكافر، وأنه لَا حرمة له فقدمت إشعارا بالاهتمام بها، وأنها لَا بد منها وهو الجواب المتقدم في قوله: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) قال: أتى به فقدم الوصية في اللفظ مع أنها في الحكم الشرعي متأخرة عن الدين ثم أجاب بما سبق.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا... (٩٣)﴾
قال ابن عرفة: إن تاب فلا خلاف أنه غير مخلد في النار، وقال أهل السنة: يدخلها ويطول مكثه فيها، ثم يخرج منها بالشفاعة وحملوا الخلود على طول الإقامة واحتجوا بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وأجيب: بأن ذلك عام وهذا خاص، والخاص مقدم على العام ورد بعضهم الأول بقوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) فلو كان الخلود عبارة عن مطلق المكث للزم الخلف في الخبر، وأجاب ابن عرفة: بأن القرينة هناك بينت المراد وجهنم مبتدأ وجزاؤه خبره، لأنه أعم وقصد الله عليه إما صفة فعل بمعنى تعذيبه إياه ومعاقبته له أو صفة معنى راجعة لإرادة تعذيبه، قال: ولعنه إما بالقتل أو بسبب القتل.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا... (٩٤)﴾


الصفحة التالية
Icon