أشد من المعصية القاصرة، وأجاب ابن عرفة بأن العطف أفاد التسوية في الاستغفار بين جمع معصيته مع ما انفرد بالمعصية الخاصة به القاصرة عليه، وإن الله غفور رحيم لهما معا والعطف بـ ثم إما للتراخي حقيقة فإِن كانت التوبة من الذنب على الفور، قلنا: ذلك في الأمر بها لَا في الإخبار عنها، فأفاد الخبر أنها مقبولة ولو تراخت على فعل المعصية أو ليكون لبعد من له المعصية ممن له الاستغفار.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ... (١١١)﴾
الكسب هنا هو نفس فعل المعصية بالإخبار، والكسب عند أهل أصول الدين في تفسيره اضطراب، فإن قلت: هذا مصادم لحديث "من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"، قلنا: عوقب الأول بإحداثه المعصية وإنما عوقب بفعله.
قوله تعالى: ﴿فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (١١٢)﴾
وصف الإثم بالمبين، ولم يصف به البهتان؛ لأن البهتان كله مبين بخلاف الإثم.
قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ... (١١٣)﴾
الفضل راجع لصفة الإرادة، والرحمة لصفة الفعل ويحتمل أن يكونا بمعنى واحد.
قوله تعالى: (لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ).
ابن عطية: هذا يدل على أن اللفظ عام في غير أهل النازلة، وإلا فأهل التعصب [لبني أبيرق قد وقع همم وثبت*] فالمعنى: ولولا عصمة الله لك لكان في النَّاس من يشتغل بإضلالك ويجعله همه كما يقول هؤلاء، ابن عرفة: وتقدم لنا فيها معنى آخر وهو أن المراد: لهمت طائفة بإضلالك الهم الصادق الرافع معلقة وهؤلاء إنما هموا هما غير صادق إذ لَا يتم لهم غرض، قلت: قال تعالى: (وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا) قال: والإضلال على قسمين: فالضلال في الظاهر كمن يأتي للقاضي ببينة يعلم إنها زور ويهدي له هدية فيقبل منهم شهادتهم ويحكم لهم، والإضلال في الباطن كمن يأتي ببينة هم في الظاهر ويزوروا كلاما ويفعل ما يريهم أنه على الحق فيحكم له القاضي بذلك ظانا أنه على الحق وهو على الباطل، فأما الأول فلا يدخل في هذه الآية وإنما المراد: ولولا عصمة الله لك لأضلك بعض النَّاس بتزويرهم الأمور وإتيانهم بها على صورة الحق فتحكم لهم بها وهي على الباطل لحديث: "إنما أمرت أن أحكم بالظاهر


الصفحة التالية
Icon